غزة كنز تاريخي كبير، مليئة بالآثار القديمة ذات التاريخ العريق، وهي عبارة عن متحف عظيم يحتوي على الكثير من الآثار القديمة، أبرز هذه المعالم الأثرية في غزة «المسجد العمري الكبير» المقام في حي الدرج في مدينة غزة القديمة، وأحد أبرز المعالم الأثرية في فلسطين، حيث تبلغ مساحته 4100 متر مربع.
ومن معبد إلى كنيسة ثم معلم إسلامي، أصبح يمثل صرحاً أثرياً تحوَّل على مدار ثلاثة آلاف عام، ليشكل في الخاتمة أحد أهم المساجد في فلسطين وأقدمها.
فكرة تأسيس المسجد العمري انبثقت خلال الفتوحات الإسلامية، بيد أنه قبل تلك الفترة مرت عليه أحداث كثيرة خلال 3000 عام. وسمى المسجد بـ«العمري» نسبة إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، و«الكبير» لأنه أكبر مساجد غزة.
أستاذة التاريخ والآثار عبير عليان تقول: إن هذا المسجد الأثري كان يستخدم معبداً رئيسياً للإله «مارنا» وكانت غزة في تلك الحقبة وثنية، موضحة أن «مارنا» كان بمثابة رب الأرباب لدى الرومان، وكانت غزة هاشم معقلاً للوثنية في العهد الروماني، إذ إن المسجد العمري كان ذا بناء مربّع الشكل له قبة كبيرة، واتسم بمدخله الجمالوني، الذي حملته أعمدة «كورنثية» الطراز ذات الشكل الزخرفي. ويعرف العمود «الكورنثي» الطراز من شكل التاج الذي يعلوه، والذي استخدم في زخرفته مجموعة من أوراق لنبات «الاكانتس أو الخرشوف».
ماض كنسي
وقالت عليان إنه خلال فترة الاحتلال الصليبي عام 1149م، تم تحويل الجامع العمري بعد تدميره إلى كنيسة ضخمة سُميت بكنيسة القديس «يوحنا» وما زالت هذه البناية قائمة حتى اللحظة «المبنى البازيليكي» داخل الجامع الكبير. وفي أواخر القرن الثالث عشر الميلادي أعاد المماليك مكانة الجامع العمري، خاصة أن السلطان المملوكي الرابع الظاهر بيبرس أنشأ مكتبة الجامع التي تضم أكثر من 20 ألف مجلد في العلوم.
الباحث إبراهيم سكيك قال إنه في العصر الأيوبي تم هدم الجدار الشرقي بشكل كامل بالإضافة إلى هدم الهيكل، وتم فتح مدخل وبناء مئذنة، كما تم هدم الجدار الجنوبي للمبنى البازيليكي وإضافة رواق آخر في الجهة الجنوبية.
ويقول وليد العقاد الباحث في التاريخ الفلسطيني: إن المسجد يضم في طابقه الأول قاعة رئيسية للصلاة ومصلى للنساء، وفي طابقه العلوي مدرسة لتعليم القرآن الكريم، أما الطابق السفلي فيحتوي على قاعة استقبالات وقاعة أثرية يتعدى عمرها ألفي عام مجهزة لتكون متحفاً إسلامياً.
أضرار الحرب
ويشير العقاد إلى أنه خلال الحرب العالمية الأولى أصيب المسجد بأضرار كبيرة حينما قصفته الطائرات البريطانية بذريعة وجود ذخائر وأسلحة للقوات العثمانية داخله، كما دمرت المكتبة بشكل كامل، وتم ترميم المسجد من قبل المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين ما بين عامي 1926- 1927.
أحد رواد المسجد الشيخ الداعية إياد عودة يقول لـ«البيان» إنه في ليلة ظلماء قبل خمسين عاماً اقتاد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الشيخ جميل الريس من منزله تحت تهديد البنادق إلى مكتبة المسجد العمري الكبير، وأجبروه على إخراج ثلاث مخطوطات قديمة منها، ومنذ سطوهم عليها لم نرها. وأضاف أن ضابطاً بريطانياً سبقهم بخمسين عاماً، حيث إنه في عام «وعد بلفور» سرق مصحفاً من مكتبة المسجد كان كتبه الشيخ أحمد شعشاعة العلمي الغزي عام 1271هـ (1854م).
ويقول أستاذ التاريخ أحمد النجار: إن تنوع العصور التي مرت على هذا المسجد أثرت في ملامحه العمارية، ولكن من دون أن يصيبه أي عيب ظالم، خصوصاً أن الموقع والمسمى لم يتغيرا، بل إن هذا التنوع أسهم في إثراء تاريخه.
ويؤكّد الباحث في التاريخ عدنان الشيخ أن المئذنة تعتبر من أشهر معالم المسجد العمري الكبير، وهي لوحة نموذجية من الطراز المعماري المملوكي، وتبدأ على شكل مربع في الأسفل، ومثمنة في النصف العلوي.
اقرأ أيضاً: