مليئة كتب التاريخ بأحوال هذه المدينة في كل المراحل التاريخية، بدءاً من العصر الروماني إلى اليوم الحالي، وكان لهذه المدينة دور وسيرة في العهد الآرامي، وكذلك في العهد الإغريقي، وفي العهد الروماني سميت الرقة (كالينيكيوم) نسبة إلى الإمبراطور غلينوس المتوفى سنة 266 بعد الميلاد.
تقول كتب التاريخ إن الخليفة هارون الرشيد نزل في مدينة الرقة وجعلها مقراً لحكمه عام 180هـ، ثم أعطى الولاية لابنه المأمون من الرقة إلى بغداد، ثم كان ما كان من أمر حملاته على الروم التي كان ينطلق فيها من الرقة بجيش بلغ تعداده خمسة وتسعين ألف مقاتل.
ولعل أبرز صورة عن الرقة في عهد الرشيد تتجسد في أن الأشجار كانت تظلل موكبه طيلة الطريق بين الرقة وبغداد حتى لا تصل الشمس إلى مركبته، وقد قال لحاشيته بعد ترك بغداد: «نِعمَ الدار هي لكنني أريد المناخ»، ذلك لأن مناخ الرقة، وبصورة خاصة في الصيف، كان يوافق صحة الرشيد ومزاجه.
قوة متعاظمة
يقول الباحث الأثري ميخائيل ماينكه الذي شارك في حفريات منطقة القصور العباسية في الرقة بين 1982- و1983 في دراسة له بعنوان «الرقة على الفرات - الحفريات الراهنة في عاصمة هارون الرشيد» نُشرت في مجلة «عاديات حلب» الكتاب الثامن والتاسع 1998: «ومما لا ريب فيه أن قصر البنات - بحسب التسمية المحلية - كان يعني رمزاً للقوة المتعاظمة، وعندما يكون الخليفة موجوداً فيه كان يستخدم الأواوين للاستقبال والتشريفات، وقد أصبح هذا المكان قطب العالم. هذه المكانة المرموقة كانت تحتلها سابقاً مدينة بغداد التي أسسها الخليفة المنصور»، كما يقول ماينكه: وبناءً عليه فإن الهدف من إقامة هذا المبنى هو أن يكون مقر إقامة للخليفة.
الرشيد هو الخليفة العباسي الوحيد الذي أقام في الرقة الرافقة مدة اثنتي عشرة سنة ولم يفكر بالعودة إلى بغداد حتى توفي عام 193هـ/809م أثناء حملته على خراسان في شرقي إيران، وبعد عودة الخلافة إلى بغداد بعد 12 عاماً استُخدم هذا القصر كغيره من قصور العباسيين في الرقة منتجعاً صيفياً موقتاً، ويستدل على ذلك من بعض النقود التي عُثر عليها في أرض القصر التي تنتمي إلى عهد خلفاء هارون الرشيد.
سور وأبواب
كانت الرقة عند فتح العرب المسلمين لها ذات سور وأبواب وغلات متنوعة وسوق عامة. ولم يؤذها العرب وأبقوا لها الحرية بالاعتقاد وأبقوا الأراضي بيد أهلها ورتبوا عليها تكاليف الأمن فقط (الخراج والجزية)، واستمرت الرقة في حياتها الاعتيادية تفيد من خصوبة أرضها ووفرة مياهها وموقعها الجغرافي بين الجزيرة والشام، ما أعطاها أهميتها التجارية بعد وفاة عياض بن غنم فاتح الرقة وولي الجزيرة، ولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سعيد بن عامر بن خديم سنة 20هـ فبنى بها جامعاً من الآجر.
بين كل هذه السيرة التاريخية، شاءت الأقدار أن يستولي تنظيم داعش الإرهابي على أهم المدن التاريخية في قلب الجزيرة السورية، ويعيث بها فساداً، إلا أن هذه الحقبة مرت سريعاً دون أن يتمكن هذا التنظيم من وضع بصمته على صفحات التاريخ.
اقرأ أيضاً:
ـــ «هارون الرشيد» أيقونة حضارية لحياة بين حقبتي الظلام والحرية