افتتحت السلطات العراقية منفذ القائم الحدودي مع سوريا إلى إشعار آخر، بعد سلسلة من الهجمات «المجهولة» التي استهدفت مواقع لميليشيات الحشد الشعبي في الجانبين العراقي والسوري قرب المعبر، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات كبيرة عن مغزى وجود مقاتلين عراقيين موالين لإيران، خارج البلد، خلافاً للقوانين العراقية.

وكذلك وجود معسكرات ومخابئ للأسلحة تعود للجهة نفسها في الجانب العراقي، بدلاً من حرس الحدود، والقوات الأمنية العراقية الرسمية الأخرى.

الحكومة العراقية التزمت الصمت، لعدم وجود ما باستطاعتها قوله، بالأخص أن قوات «الحشد» هناك غريبة عن المنطقة، ومن فصائل رفضت الأمر الديواني الذي تضمن تنظيم عملها.

ضمن المؤسسة العسكرية العراقية، بادعاء أنها «فصائل مقاومة»، في حين أنه غير معروفة الجهة التي تقاومها هذه الفصائل، ما يعني أن وجودها على طرفي الحدود العراقية - السورية «عبثي»، أو لأغراض أخرى مهمة بالنسبة إلى النظام الإيراني.

مآرب أخرى

يرى مراقبون سياسيون أن افتتاح منفذ القائم - البو كمال يؤثر سلباً في المنافذ الجنوبية والشرقية المحاذية لإيران، وسبق أن شكا متنفذون عراقيون من أن فتح منفذ طريبيل - الرويشد مع الأردن أثّر بشكل كبير في واردات المنافذ الجنوبية والشرقية مع إيران .

والتي تتولى ميليشيات «الحشد الشعبي» مسؤوليات فيها، فيما يعني افتتاح منفذ القائم - البو كمال، إذا تم تطهيره من الميليشيات، سحب الكثير من الواردات العراقية إليه، لا سيما وهو يحمل الرقم «1» في الطرق الخارجية العراقية، إضافة إلى إنعاش محافظة الأنبار وبقية المحافظات الغربية. لكن، رغم الفوائد التي ستجنيها محافظة الأنبار.

فإن استدامة الفائدة تتوقف على إبقاء إيران بعيدة عن المنافذ الحدودية الغربية للعراق، وكذلك عن مسار الطريق الدولي، لأن تحكم إيران بشبكة المواصلات والنقل غربي العراق من شأنه جر المنطقة إلى توترات جديدة، وقد تؤدي إلى تمدد إيران في محافظة الأنبار اقتصادياً.

عرقلة متعمدة

يشير المتابعون للشأن العراقي إلى أن الميليشيات الموالية لإيران ومسؤولين عراقيين عرقلوا، عام 2017، اتفاقية استراتيجية، في عهد حكومة العبادي، مع شركات أمريكية، لإعادة تأهيل طريق بغداد - القائم، وإعادة افتتاح المعبر، لتعارضه مع المشروع الإيراني.

وتصاعدت آنذاك الخروق الأمنية في غربي الأنبار، منذ تم تسريب أنباء عن إبرام الحكومة عقداً مع شركة أمريكية لحماية الطريق الدولي «بغداد - طريبيل»، حيث يعتقد مسؤولو الأنبار أن جهات لا تريد إعادة فتح الحدود هي التي تخرب الأمن في المنطقة.

فيما دعت لجنتا الخدمات والاقتصاد النيابيتان إلى متابعة عقد إحالة الطريق، لأن العراق بحاجة إلى مثل هذه المشاريع الاستراتيجية، وطالبت بالكشف عن «مافيات المنافذ الحدودية وإعلان أسمائهم للرأي العام العراقي»، مشيرةً إلى أنه لا يمكن لأشخاص ممن لديهم منافع شخصية أن يكونوا سبباً في تعطيل المشاريع الحيوية للبلاد.

الحماية الأمنية

لم تشهد مناطق غربي محافظة الأنبار استقراراً أمنياً منذ توقف عمليات التحرير في المحافظة قبيل انطلاق معركة تحرير الموصل، وتعاني تلك المناطق هجمات كرٍّ وفرٍّ مستمرّة لتنظيم «داعش» الذي يواصل تهديده بالمحافظة، إلى جانب أعمال تخريبية تقوم بها بعض الميليشيات.

ويعزو مسؤولون حكوميون التعاقد على صيانة وحماية الطريق الدولي ومحيطه، بعمق خمسة كيلومترات من كل جانب، إلى الأخطار المحدقة بالطريق الذي يعد أحد أهم الشرايين الاقتصادية العراقية.

حيث يربط البصرة في الجنوب، بسوريا والأردن والسعودية في الغرب، ما دفع حكومة العبادي إلى إحالة مهمة تأمين الطريق وإعادة بنائه وتشغيله إلى شركة أمريكية، ويتضمن العقد إعادة تأهيل الطرق والجسور التي هدمت منها 36 جسراً، وإنشاء محطات وقود واستراحة ومرافق خدمية أخرى.

أهمية قصوى

وكان من المقرر أن تباشر شركة «أوليف - الزيتون» الأمريكية مهام تأمين الطريق بين بغداد والأنبار وصولاً إلى منفذي طريبيل والقائم، من دون أي تدخل في مهامها التفتيشية والأمنية، حيث تعمل بشكل مستقل، وترفع تقارير شهريّة عن عملها إلى حكومة الأنبار المحلّيّة.

وتأتي الأهمية القصوى للطريق الدولي العراقي، من السيطرة على حوض الأراضي الشاسعة غرب العراق بالامتداد مع الأردن وجنوب شرق سوريا، ولا سيما مع وجود مشاريع خطوط أنابيب مقترحة للطاقة، أبرزها تحييد خط جيهان التركي، واستبداله بخط (العقبة - البحر الأحمر)، فضلاً عن إحياء الأنبوب الاستراتيجي العراقي - السعودي الذي يصل إلى ينبع.

والذي بُني في أواسط الثمانينيات إبان الحرب العراقية - الإيرانية بعد توقف موانئ التصدير العراقية في أم قصر جنوباً، ويضاف أيضاً خط تصدير محدود جديد بوشر العمل به في الأراضي العراقية، لإحياء أنبوب نفطي ينطلق من جنوب العراق إلى ميناء بانياس السوري، إلى جانب تنشيط الاستثمار العربي في الصحراء الغربية الغنية بحقول النفط والغاز والكثير من المعادن الأخرى.

وتضمن الاتفاق تعاون الشركة الأمريكية مع نحو 5 آلاف متطوع من مقاتلي العشائر في عملية تأمين الطريق، إلا أن مراقبين يرون أن الخطر على التعاقد قائم بسبب وجود فصائل مسلّحة ربما تستهدف عناصرها تلك الشركة والعاملين فيها، أو تخريب ما تنجزه على هذه الطرق، مثلما حدث في أوقات سابقة مع شركات النفط العاملة في العراق.

الموالون لإيران

وتشير تقارير المراسلين الصحافيين الميدانيين إلى أن إيران تمكنت حتى الآن من تعطيل مشروع الطريق الدولي، عبر فصائل مسلحة عدة، كما تحاول من خلال ميليشياتها، السيطرة على الطريق ومحيطه، لتأمين خطوط إمدادها مع سوريا ولبنان من خلال العراق.

إضافة إلى قطع الطريق على الاستثمار العربي والغربي في محافظة الأنبار، وعرقلة تنفيذ مشروع الطريق الدولي ومنع الشركات الأمريكية من العمل، عبر مجاميع مسلحة منضوية في إطار ميليشيات الحشد الشعبي.

وكان حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق قد بلغ قبل اندلاع الأزمة السورية قرابة 3.5 مليارات دولار، شكلت صادرات سوريا إلى العراق معظمها، واستناداً إلى قائممقام القائم، أحمد المحلاوي.

فإن الموعد الرسمي لافتتاح منفذ القائم كان في الأول من سبتمبر الماضي، لكن تم تأجيله إلى إشعار آخر، مرجحاً أن يكون السبب هو التفجيرات التي حدثت في منطقتي البو كمال التي تبعد نحو 4 كم عن الأراضي العراقية، وهيت، داخل الأراضي العراقية.

وأعادت الحكومة في الشهرين الماضيين بناء المنفذ الذي دمر «داعش» كل مبانيه، بطريقة إنشاء الكرفانات، فيما لا يعرف حتى الآن من الجهات التي ستكلف بحمايته رغم افتتاحه.

وفي الثامن من الشهر الماضي، استهدفت 3 انفجارات منطقة البو كمال، وبحسب مصادر في القائم القريبة من مكان الانفجار، فإن «التفجيرات استهدفت مواقع تابعة للحشد الشعبي العراقي في سوريا»، ولم يعلق أي طرف عراقي أو مسؤول على الهجوم.

حيث ترفض الحكومة العراقية، بحسب بيانات رسمية، أن يقاتل أي عراقي خارج حدود البلاد، فيما تطلق بعض قيادات ميليشيات الحشد الشعبي على تلك العناصر التابعة لها بـ«فصائل المقاومة» التي تعمل خارج إطار الحشد.

وكان فصيل يطلق على نفسه كتائب سيد الشهداء، أحد تشكيلات الحشد الشعبي الذي دمرت مخازنه في الشهر الماضي في معسكر الصقر بهجوم مجهول جنوب بغداد، قد تعرض لقصف في اغسطس 2017 على الحدود السورية.

وقالت إن مقاتليها «تعرضوا لقصف شديد عند الحدود وفي الجهة المقابلة للأنبار، الأمر الذّي أدى إِلى سقوط أعداد كبيرة منَ القتلى والجرحَى»، وحمّلت الجيشَ الأمريكيّ حينها «عواقبَ هذَا العملِ»، وقالت إنها «لَنْ تسكتَ عنهُ».

ووفق المصادر ذاتها في الأنبار، فإن الهجوم الذي استهدف مقراً جديداً للحشد في الأراضي السورية، أسفر أيضاً عن مقتل وإصابة أكثر من 40 عنصراً تابعين لحركتي «النجباء» و«الإبدال»، فيما كشفت تقارير مصورة من الأقمار الصناعية عن تعزيز إيران لوجودها العسكري في سوريا من خلال قاعدة عسكرية سرية جديدة في منطقة البو كمال، ستؤوي آلاف الجنود والقوات التابعة لها.

لا موافقة عراقية على المشروع الإيراني للطريق البديل

في الثامن والعشرين، مارس 2017، صوّتت الحكومة العراقية السابقة 2014 ـ 2018، على مشروع لإعادة تأهيل واستثمار الطريق الدولي، وطرحه بالكامل للاستثمار، في إطار خطة طموحة، بعدما عرضت لجنة المنافذ الحدودية في مجلس محافظة الأنبار في 26 ديسمبر 2016، الجزء الواقع ضمن حدود المحافظة، للاستثمار.

لكن اعتراضات عاصفة أجهضت الصفقة، لتعاود الحكومة حينها التعاقد مجدداً مع الشركة ذاتها، وهي شركة (Olive Group) المتفرعة من الشركة الأم (Constellis) بشروط جديدة في مارس 2018.

ويرتبط العراق بالأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية بعقدة المواصلات البرية المعروف بـ «الطريق الدولي السريع رقم 1»، وهو طريق استراتيجي طويل ومعقد ينطلق من أقصى جنوب العراق.

حيث الموانئ في البصرة، وينتهي بنقطة التبادل التجاري الأكثر شهرة «مجمع طريبيل الحدودي» من الجانب العراقي، بمسافة 575 كلم عن العاصمة بغداد، و«معبر الكرامة الحدودي» في منطقة الرويشد، بمسافة 320 كلم عن العاصمة عمّان، مع خطوط أخرى تصل إلى مدينة القائم العراقية كنقطة عبور عراقية مشتركة مع نقطة البو كمال في سوريا، وأخرى مع المملكة العربية السعودية جنوباً إلى «معبر عرعر». وينقسم الطريق الدولي إلى (9) ممرات تجارية سريعة، ويبلغ طوله الكلي داخل العراق 1200 كلم.

تعقيدات

وثمة تعقيدات تقف عائقاً أمام انطلاق وتحقيق المشروع الذي منح استثماره لشركة أمريكية قابضة، هي «Constellis»، فيما التنفيذ للشركة الفرعية العائدة لها «Olive Group ـ مجموعة الزيتون للخدمات الأمنية».

والأخيرة عملت في العراق في خدمة القوات الأمريكية بعد العام 2003، ويعد التعقيد الذي يشكل عائقاً حقيقياً هو معارضة إيران للسيطرة الأمريكية على المشروع، فهي تعتبره حائط صد أمام طموحاتها في غرب العراق، ويمنح الأمريكيين نفوذاً كبيراً في المنطقة، ولاسيما أنه يؤثر على مشروعها في سوريا المجاورة.

استثمارات موازية

وعقب زيارة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي إلى واشنطن ولقاء الرئيس دونالد ترامب في 20 مارس 2017، طرح العبادي مشروع استثمار الطريق الدولي بقوة، وحفّز السياسيين العراقيين على دعمه.

وفي الثالث من أبريل من العام ذاته، وصل صهر ترامب، غاريد كوشنر برفقة رئيس أركان الجيوش الأمريكية المشتركة الجنرال جو دانفورد إلى بغداد، وبدت تلك الزيارة اقتصادية وأمنية لترتيب ملفات كبيرة لواشنطن في العراق، من بينها استثمار الطريق الدولي.

في المقابل، ووفقاً لحديث خاص أدلى به رئيس الحكومة الحالية في لقاء مع باحثين، في يوليو 2017، فإن إيران تقدمت بمشروع لشق طريق دولي استراتيجي مشابه، انطلاقاً من أراضيها، عبر محافظة ديالى العراقية، وصولاً إلى الأراضي السورية.

ويتضمن الطريق الإيراني المقترح، استثمار شبكة الطرق السريعة في شرق العراق، وفتح طرق جديدة تعزز القديمة، وصولاً إلى جنوب غرب الموصل، داخلاً إلى الأراضي السورية، وصولاً إلى شرق المتوسط عند الساحل السوري الخاضع لسيطرة الحكومة السورية تحت الحماية الروسية، بكلفة 46 مليار دولار، غير أن الحكومة العراقية لم تتخذ قراراً بالموافقة على المشروع الإيراني.

لكن إيران قامت فعلياً بتأمين «حوض الطريق» المقترح، وفرضت تغييرات ديموغرافية هناك عبر ميليشيات «الحشد الشعبي» الموالية لها، فيما تواجه انتشاراً للقوات الأمريكية، ونحو 30 ألف مقاتل من الجماعات السورية المدعومة من واشنطن شرق الفرات داخل سوريا، وعند معبر التنف ــ الوليد الحدودي.