مجرد النظر إلى ثروات ليبيا الطبيعية وإمكاناتها الاقتصادية، يلقي الضوء على أحد أبرز دوافع التدخل التركي والقطري في هذا البلد، وكذا الرفض الدولي لهذا التدخّل.

الصراع على تلك الثروات وإن كانت معالمه قد لاحت، إلا أنه لم ينطلق فعلياً، ولن يحول دونه إلا سيطرة الجيش الوطني واستعادة الدولة الليبية مؤسساتها وإنطلاقها في تأسيس علاقات وتحالفات إقليمية ودولية تحميها من المؤامرات، وبخاصة تلك التي تحاك في أنقرة.

وتعد ليبيا بلداً مثالياً لاكتشاف الثروات، وخصوصاً المعدنية منها والخامات التي تحتكم عليها ومنها اليورانيوم والذهب والحديد والمغناطيس والألمنيوم والغرانيت والسيليكون، كما تغطي رواسب طينية معظم مناطق البلاد تستثمر في صناعة الأسمنت والخزف والقيشاني والفخاريات والحراريات.

الخبير الاقتصادي والمحاضر بجامعة سرت د. محمد صالح سويلم يؤكد أن لدى ليبيا ثروات كبرى ذات احتياطي ضخم، ما يجعلها هدفاً للطامعين، ومن ذلك الثروة الطائلة من الخامات الفلزية وأهمها الحديد في وادي الشاطئ - جنوباً - الذي يعد من أكبر الاحتياطات في المنطقة، ويقدر بنحو 3.5 مليارات طن في هذا الوادي فقط. كما يوجد في منطقة تاروت في الجنوب الغربي احتياطي يقدر بـ420 مليون طن من الخامات المغناطيسية و55 في المئة من الحديد إضافة إلى الذهب، بينما تأكد وجود اليورانيوم في منطقة العوينات وحوض مرزق.

النفط والغاز

ووفق ما تم اكتشافه حتى الآن، فإن ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربياً في مجال النفط باحتياطي يبلغ نحو 48.36 مليار برميل، بينما يبلغ احتياطيها من الغاز نحو 54.6 تريليون قدم مكعبة، ما يضعها في المرتبة 21 عالمياً من حيث احتياطات الغاز.

ولكن وكالة الطاقة الأمريكية تتوقع أن يرتفع احتياطي النفط من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل، لتحتل ليبيا المركز الخامس عالمياً في احتياطات النفط الصخري، بعد روسيا والولايات المتحدة والصين والأرجنتين، ما يعني أن الكمية الجديدة سترفع العمر الافتراضي لإنتاج النفط في البلاد من 70 عاماً إلى 112 عاماً، بعد الإعلان عن أن الاحتياطي الليبي من النفط المخزون في الصخور والقابل للاستخراج بالتقنيات الحالية، يبلغ 26 مليار برميل.

كما تشير الوكالة إلى أنّ احتياطات الغاز الليبي سترتفع بدورها إلى ثلاثة أضعاف، حيث بلغت 177 تريليون قدم مكعبة بعدما كانت 55 تريليون قدم مكعبة، وذلك بإضافة 122 تريليون قدم مكعبة من الاحتياطي القابل للاستخراج من الصخور.

ويقع هذا المخزون الضخم من النفط الصخري شمال غربي ليبيا وجنوبيها الغربي. كما تعد ليبيا مصدراً لإمكانات هائلة للطاقات المتجددة التي يمكن إنتاجها وتصديرها نحو أوروبا القريبة، وخاصة أن بعض أجزاء البلاد تتمتع بأعلى كميات من الإشعاع الشمسي في العالم، إلى جانب ما يمكن استثماره في مجال توليد الكهرباء بالطاقات الريحية، أو بالطاقة المائية.

ثروة سياحية

ليبيا دولة مهيأة لتركيز صناعة سياحية مزدهرة نظراً لبيئتها الشاطئية والصحراوية النظيفة، ولما تتميز به من خصوصيات ثقافية ومدن أثرية رومانية وإغريقية قل نظيرها (مثل سوسة وشحات في الشرق ولبدة وصبراتة في الغرب) ومراكز الإمبراطورية الأفريقية في الجنوب (مثل جرمة في الجنوب) والتراث الأمازيغي المبهر في جبل نفوسة، إضافة إلى وادي الإنجيل في شحات شرقي البلاد وهو مرقد الأب مرقس كاتب السفر الثاني من العهد الجديد ومؤسس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالإسكندرية وأول بطريرك لها، والى الأهرام والمومياء الليبية، وجبال الأكاكوس التي تحمل أول رسوم بشرية، إلى جانب المتاحف والمدن العريقة وواحات الصحراء المفتوحة على العمق الأفريقي (ومنها غدامس ثالث أقدم مدينة في العالم يعود تاريخ نشأتها إلى 10 آلاف عام).

كل هذا وغيره يجعل من ليبيا محطاً للأطماع الخارجية ومحل تجاذبات بين القوى الإقليمية والدولية، فهي تبدو دولة بكراً للاكتشاف والاستثمار، إلى جانب أن التقديرات تشير إلى أن عملية إعادة إعمارها لن تقل عن 200 مليار دولار، بينما تقدر الثروة المالية الليبية الموجودة في مصارف ودول أجنبية بنحو 100 إلى 160 مليار دولار، موزعة على الولايات المتحدة (نحو 37 مليار دولار) وألمانيا (نحو 7 مليارات يورو)، وبريطانيا (نحو 20 مليار دولار)، وهولندا (3 مليارات يورو)، إلى جانب أموال واستثمارات في فرنسا والبرتغال وإسبانيا وبلدان عربية وأفريقية عديدة أخرى.

صندوق استثماري

أنشأت ليبيا في عام 2003 صندوقاً استثمارياً سيادياً تشير التقارير إلى أنه يدير ثروات تعادل 60 مليار دولار، ولكنها لا تمثل كل الأموال الليبية المستخدمة في الخارج. وأودع نظام العقيد الراحل معمر القذافي أكثر من 32 مليار دولار في مصارف أمريكية على شكل سيولة مباشرة، جمدت وزارة الخزينة الأمريكية 30 ملياراً منها في 2011.

وتكفي هذه المعطيات والأرقام لتكشف دوافع بعض القوى الخارجية وعلى رأسها تركيا وقطر لتمكين جماعة الإخوان وحلفائها من محاولة اغتصاب الحكم في البلاد والتغلغل في مفاصل الدولة، وفي أذرعها المالية والاقتصادية وعلى رأسها المصرف المركزي والمؤسسة الليبية للنفط والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، وهي مؤسسات تخضع لسيطرة عنصرين متداخلين وهما «الإخوان» ومدينة مصراتة، بما يمثلانه من تبعية معلنة لأنقرة والدوحة، ومن علاقات تدار في الخفاء مع مراكز الضغط السياسي والنفوذ المالي في الغرب، ولكنها تخرج إلى العلن في حالات كثيرة، مثلما حدث مع وزير داخلية حكومة فايز السراج وهو من قياديي مصراتة المقربين من «الإخوان»، عندما دعا الولايات المتحدة إلى إنشاء قاعدة عسكرية ثابتة لها في البلاد، في محاولة لجرها لحماية المشروع الإخواني.

مشروع عقائدي

هدف «الإخوان» لا علاقة له بمفهوم السيادة الوطنية، ولا باستقلالية القرار الوطني، وإنما بالحكم والسيطرة على المقدرات خدمة لمشروع عقائدي يهدف في جانب منه إلى تحويل ليبيا إلى بيت مال الجماعة، وإلى بؤرة لمد أصابيع العبث في المنطقة، وبخاصة في القارة الأفريقية انطلاقاً من شماليها العربي الذي طالما كانت ليبيا خلال العقود الماضية جزءاً مهماً من حلول قضاياه الاقتصادية.

فقبل 2011 كانت ليبيا قبلة لملايين المهاجرين من دول الجوار وغيرها (مثلاً كان هناك مليونا عامل مصري)، وكانت المتنفس الأول لتلك الدول، وسوقاً مفتوحة لمنتجاتها (كانت مثلاً الشريك التجاري الأول لتونس بعد الاتحاد الأوروبي بملياري دولار سنوياً)، كما كانت اتجهت لتنفيذ خطة تنموية خمسية بميزانية بلغت 500 مليار دولار.