يتناول ملف «العثمانيون الجدد»، بالتفاصيل، حقيقة الازدواجية التركية في تعاملها مع العرب ومتاجرتها بالقضية الفلسطينية، واستغلالها الاضطرابات التي شاركت تركيا بنفسها في إحداثها في الدول العربية، من أجل تعزيز نفوذها وإخفاء أهدافها التي تشبه النازية في العنف والانتهاكات، وذلك عبر خطين متوازيين، الأول عبر دعم الخطاب المتطرف الإرهابي إعلامياً عبر منصات الدعاية، وعلى الأرض عبر القواعد العسكرية، والثاني عبر تعزيز العلاقات مع إسرائيل والزعم بعكس ذلك في الإعلام، وكيف أضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزخم والقوة للعلاقات مع إسرائيل في جميع المجالات، كما يلقي الضوء على التعاون العسكري مع إسرائيل من خلال 60 اتفاقية عسكرية بين البلدين.
يزيح الملف الستار ويكشف المسكوت عنه في مساعدة أردوغان للطيران الإسرائيلي خلال الحروب الثلاث ضد قطاع غزة، والكميات الضخمة من الأسمنت والحديد التركي التي ساهمت في تشييد المستوطنات، وهو ما يوضّح ازدواجية المواقف والتصريحات التي تصدر من النظام التركي.
صفر أصدقاء
يسير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على طريق الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، وهناك تشابه كبير في البدايات والتشبع بالأفكار سواء كانت «فاشية دينية» أو «فاشية قومية»، وتحالف أردوغان المنتمي للفاشية الدينية «حزب العدالة والتنمية»، مع الحزب القومي التركي «الفاشية القومية» يؤشر بأن النهاية ستكون واحدة مثل هتلر.
الرئيس التركي حول بلاده من دولة «صفر أعداء» إلى بلد منبوذ ومعزول «صفر أصدقاء»، كما قال رئيس وزرائه الأسبق أحمد داود أوغلو، واليوم هناك أكثر من 40 دولة حول العالم تعادي وتتصارع مع تركيا على المستوى الاستراتيجي، وهي بالأساس دول الجوار العربي والآسيوي والأوروبي، ودول بعيدة في أفريقيا وأوروبا.
وكما تذرع هتلر بسمو الجنس الآري يعتقد أردوغان أن أنصاره من تنظيم الإخوان والحالمين بعودة الإمبراطورية العثمانية يجب الذهاب إليهم والعمل معهم حتى لو كانت النتيجة تحدي كل القوانين الدولية.
تركيا التي تفتقر لعناصر «القوة الشاملة» التي تحتاجها القوى العظمى، دولة محدودة الموارد ولا يمكن أن تعادي كل هذه الدول في وقت واحد، وأردوغان يسير على «معالم طريق» هتلر بالادعاء أنه يدافع عن حقوق الشعوب من أصول تركية حتى لو كانت تنتمي لدول أخرى في اليونان وقبرص وليبيا وشبة جزيرة القرم والصين وروسيا ولبنان.
وقد زاد أردوغان من اعتقاده بكل ما قام به هتلر عندما أراد أن يتخلص من كل الاتفاقيات القديمة التي يراها مكبلاً لتركيا، فكما كان هتلر يرى اتفاق «فرساي 1919» مكبلاً للدولة الألمانية أعلن أردوغان أكثر من مرة أنه سيلغي اتفاقية لوزان، ويزعم أنه قادر على إلغائها عام 2023 وسيعود لأملاك السلطان العثماني عبد الحميد الثاني التي كانت لتركيا حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر بما فيها رغبته في إلغاء اتفاقية منترو لعام 1936، والتي حددت أوضاع المضايق التركية «الدردنيل والبوسفور»، فكيف حوّل أردوغان بلاده إلى دولة تصارع من حدود الصين شرقاً إلى بلاد المغرب غرباً، ومن شبه جزيرة القرم شمالاً إلى الصومال وإريتريا جنوباً؟
الموصل
قالت سلسلة من الدراسات أصدرتها وحدة الدراسات التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 2019 أن أردوغان يدعي أنه يستطيع ما أسماه استرجاع كل أملاك السلطان عبد الحميد الثاني في كل دول الجوار رغم أن حدود هذه الدول باتت معروفة وتم إيداعها في الأمم المتحدة، وبات معترفاً بها من النظام الدولي و192 دولة أعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويدعي الرئيس التركي أن «محافظة الموصل» كانت تركية وستظل تركية وستعود لتركيا عام 2023، ولذلك وضع منذ عام 2011 ما تسمى «الليرة الموصلية» في الميزانية التركية، وهنا يمكن فهم لماذا السعي التركي لخلخلة الأمن شمال العراق، وإصرار تركيا على البقاء في المعسكرات والقواعد التركية وبخاصة معسكر «بعشيقة» بعمق يزيد على 130 كلم جنوب الحدود التركية.
ويتوهم أردوغان أنه عندما يحين عام 2023 سيطلب من سكان الموصل ومناطق شمال العراق أن يذهبوا للأمم المتحدة ويطالبوا بالانفصال عن العراق مباشرة، أو إجراء استفتاء للانفصال عن العراق والانضمام لتركيا في ذات الوقت، وهذا يفسر رفض أردوغان سحب قواته من شمال العراق رغم كل المناشدات والخطوات الشجاعة التي اتخذتها الحكومة العراقية أخيراً بإلغاء زيارة وزير الدفاع التركي والاحتجاج على الاحتلال التركي لشمال العراق.
ووصل الأمر بتركيا أن تطلب بشكل مباشر أثناء تأليف الحكومة العراقية الأخيرة بضرورة تعيين وزير عراقي من أصول تركية، حسب خبر نقله ترك برس في حينها، وحين تم الرفض تحدثت تركيا عن اضطهاد العراقيين من أصول تركية، وضرورة تدخلها من أجل الدفاع عن ما تسميه اضطهاد التركمان في العراق.
السيناريو القبرصي
ويشير الإصدار الثالث لوحدة الدراسات التركية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن أردوغان يعتقد أن «السيناريو القبرصي» هو الأقرب لشمال وشمال شرق سوريا، لذلك بدأ أردوغان سياسة كاملة تقوم على «تتريك» كل شيء في الشمال السوري من تحول العملة من الليرة السورية لليرة التركية، وافتتاح المدارس وفروع الجامعات ومنها جامعة غازي عنتاب بغرض تعليم اللغة التركية للسوريين، كما أسس القواعد العسكرية التركية في الشمال السوري والتي يطلق عليها «نقاط المراقبة» في إدلب شمال غرب سوريا، كما يحتل مساحة واسعة شرق الفرات بعمق 35 كلم وعرض 90 كلم شمال شرق الفرات بحسب استقصاء لوكالة الأنباء الألمانية.
ويعتقد أردوغان بأنه بات قريباً من تحقيق حلم شمال سوريا على غرار ما تحقق للقوميين الأتراك بغزو قبرص عام 1974 عندما تحولت شمال قبرص تدريجياً لدويلة تركية على 40 % من مساحة الجزيرة القبرصية، ويرابط فيها 45 ألف جندي، وبات من المستحيل توحيد الجزيرة في ظل سياسية أردوغان الحالية.
الرافعة الدينية
وفي مقال طويل بصحيفة الفايناشيال تايمز، شكك الكاتب الأمريكي ديفيد جاردنر في قدرة أردوغان على تحقيق هذه الأوهام، وقال في المقال المنشور في صفحة الرأي يوم 22 يناير 2019 بعنوان Turkey’s ambitions in Syria are likely to be frustrated إن أردوغان يسعى للاستحواذ على أراضي الدول الأخرى من منطلق قومي، ويؤكد أنه ورغم وعي الكثيرين بأن أردوغان يستغل الرافعة الدينية «لدغدغة مشاعر المسلمين وتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية إلا أنه ما زال يواصل الخلاف مع اليونان بحجة الدفاع عن الأقلية التركية هناك والتي يطلق عليها «تراقيا الغربية» رغم أنه لم يثبت في أي يوم من الأيام أن أبناء تراقيا اشتكوا من الحكومة اليونانية التي تعامل الجميع وفق القانون اليوناني، وفي ذات السياق تأتي أطماع أردوغان في شرق المتوسط تحت ذريعة الحفاظ على حقوق القبارصة الأتراك.
وحذر معهد كونراد أديناور في دراسة كتبها الباحث ثانوس دوكوس Thanos Dokos من عدم لجم الطموحات التركية في شرق المتوسط، وقال في الدراسة التي نشرها عام 2016 إن السعي التركي للسيطرة على شرق المتوسط والضغط على قبرص واليونان لن يأتي بالسلام لهذه المنطقة الحيوية لألمانيا وأوروبا، مشيراً إلى قضية في غاية الحيوية وهي أن تركيا لم تحدد أو تعيّن حدودها البحرية سواء في البحر المتوسط أو بحر إيجه أو البحر الأسود، وهو ما يدفع الآن تركيا لإرسال سفن التنقيب عن النفط والمسح الزلزالي لجنوب وغرب قبرص رغم أن هذه المنطقة ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص التي تم إيداعها في الأمم المتحدة، الأمر الذي يؤكد النهج الهتلري لأردوغان.
تحدي روسيا والصين
ويشرح موقع "عين أوروبية على التطرف" الأفكار والأبعاد القومية للنظام التركي التي جعلته يصطدم بدولتين من أقوى دول العالم، هما الصين وروسيا، فالرئيس التركي يعتبر نفسه حامي التتار في روسيا، وهو ما يعني عملياً سعي الرئيس التركي للإضرار بالأمن القومي الروسي من خلال دعم عناصر وأقليات انفصالية، وهو ما تدركه جيداً روسيا التي خاضت 13 حرباً مع الإمبراطورية العثمانية انتصرت في جميعها.
ويشير مركز سمت للدراسات السياسية إلى أن الخلافات التركية مع روسيا حول ملفات كثيرة أبرزها حديث أردوغان عن إلغاء اتفاقية منترو 1936، والتي جعلت من مضيقي الدردنيل والبوسفور مضيقين عالميين، ويريد أن يخرج من هذه الاتفاقية عام 2023 ويزيد من فرض الرسوم على السفن الروسية وسفن دول البحر الأسود مثل أوكرانيا وبلغاريا ورومانيا، وهو ما سيفتح الباب لحروب لا تنتهي مع هذه الدول، وبنفس آليات الوهم التاريخية يزعم الرئيس التركي أن منطقة «جيانججينج الصينية» تركستان الشرقية، تنتمي للعرق التركي وأن أبناءها يتحدّثون اللغة التركية وليس لهم علاقة بأغلبية الهان الصينية.
اقرأ أيضاً: