دينبسار ـ اندونيسيا, تعج جزيزة بالي وعاصمتها دينبسار بالسياح يتقاطرون من كل فج. من الجارة استراليا ومن امريكا ومن دول اوروبا كذلك, وتنشط الحركة , وتمتلىء المطاعم ولا يصرف ذلك سكان المدنية بالاحتفال بطقوسهم وديانتهم الهندية بل ان منتديات دولية تعقد في فنادق مدينة دينبسار المطلة على شاطىء كوتا, وتخال ان الازمة التي امتلأت بحبرها الصحف والمجلات فرية من القول وزور من الادعاد لكنك ان امعنت الفكر تبينت ان النشاط غير المعهود لجزيرة بالي الأثرية ان هو الا صورة للأزمة وان علة هذا النشاط هي انخفاض العملة الوطنية الروبي باكثر من خمس مرات من قيمتها الاصلية وان السياح تقاطروا لارتفاع قدرتهم الشرائية فجأة وان فوائدهم ان هي ناتجة عن مصائب قوم آخرين وان اعصار الأزمة الاقتصادية الذي ضرب شرق اسيا عصف بأندونيسيا بقوة. لكن الازمة الاقتصادية الاندونيسية اخذت ابعادا غير معهودة فقد ذكرت بمخلفات الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس سوكارنو وحمل الى السلطة سوهارتو سنة 1965 وكلف نصف مليون من الارواح, ثم ان الحجم السكاني لاندونيسيا التي يتجاوز عدد سكانها المائتي مليون وتشكيلتها الاثنية المعقدة اثار مخاطر عدم الاستقرار لهذا العملاق الآسيوي ذي الاغلبية المسلمة وكذا تأثير العدوى الاقتصادية على الدول المجاورة مثل التايلاند وماليزيا التي اخذت تتعافى من الازمة ونظر بعض المحللين بتوجس وخيفة الى (خطر) الاصولية الاسلامية وهب صندوق النقد الدولي الى صياغة برنامج للانقاذ استعجالي يتضمن وصفته المعهودة من علاج الصدمة على غرار ما حدث مع المكسيك في بحر سنة 1994 او في غضون السنة المنصرمة مع كوريا والتقى الرئيس الاندونيسي سوهارتو مع المدير العام لصندوق النقد الدولي كاندسو ووقع اتفاقا في يناير بمقتضاه يمد الصندوق اندونيسيا بقرض قيمته 43 مليار دولار لاعادة هيكلة اقتصادها, بتخفيض العملة, وحل الاحتكارات المالية والصناعية للاشخاص القريبين من السلطة ونبذ الاعتبارات الذاتية في تدبير الاقتصاد واعادة هيكلة القطاع البنكي لكن الرئيس الاندونيسي الذي اعيد انتخابه لولاية سابعة في شهر مارس الماضي مع نائب له حبيبي, مالبث ان تحلل من (وصاية النقد الدولي) وصاغ مصطلحا جديدا هو (صندوق النقد الدولي زائد) وبتعبير آخر اقدم الرئيس الاندونيسي على تدشين تعامل جديدا في التعاطي للازمات الاقتصادية التي تظهر من جراء تقلبات العولمة فهو رفض النموذج المكسيكي ونموذج كوريا الجنوبية, وفضل عوض ذلك الاعتماد على القدرات الذايتة لاندونيسيا وشكك في قدرات صندوق النقد الدولي من انقاذ الاقتصادات الغارقة. وكانت الازمة قد اندلعت في شهر فبراير وتابع الرأي العام الدولي مظاهرات الطلاب في الجامعات وما ترتب عنها من احداث الشغب وكسر لدكاكين الاقلية الصينية المنتعشة اقتصاديا وكانت شرارة الازمة هي ارتفاع اسعار الارز من جراء انخفاض الانتاج بسبب سنوات اربع متتالية من الجفاف ومع الازمة طرح مصير سوهارتو الذي حكم البلاد اكثر من ثلاثين سنة مهندس الطفرة الاقتصادية لكن انتخابه لولاية سابعة مع نائب له السيد حبيبي مهندس الاستثمارات الكبرى اثار اهتمام المسؤولين الدوليين والرأي العالمي في تعامل الرئيس المنتخب مع الازمة وراقب الملاحظون خطابه بعيد انتخابه ذلك القصير بنبرة خافتة رتيبة دعا فيها المواطنين الاندونيسيين الى شد الحزام. والى التمسك بالقيم العائلية وعلى الا يبخلوا عليه بدعاويهم وهو الخطاب الذي اثار حفظية المسؤولين الدوليين الذين رأوا في قرار الرئيس الاندونيسي تحللا من التزاماته الدولية وبخاصة رفضه تخفيض العملة الوطنية وربطها بسلسلة من العملات القوية. وبادرت الادارة الامريكية الى ايفاد مبعوث لها في شخص نائب الرئيس الامريكي الاسبق والتر مانديل من اجل دفع الرئيس الاندونيسي الى الارعواء وصرح كاتب الخزينة الامريكية روبرت روبين بأن ما يتعين على الحكومة الاندونيسية القيام به هو برنامج اصلاحات يعالج جذور المشكلة الاندونيسية بوضع حد للاحتكارات العائلية والنفقات المكلفة في ميدان البنيات التحتية وخص المدير العام للصندوق الدولي مجلة التايم بحديث عن الازمة الاندونيسية وقال بلغة دبلوماسية انه يثق في حسن تقدير الرئيس الاندونيسي وبلغة اقل مواربة ينتقد تعامل الحكومة الاندونيسية مع الازمة لأنها من منظوره لم تتح للبرنامج من ان يدخل حيز التنفيذ, وان نجاحه قمين بخلق الشروط الملائمة وعلى رأسها تخفيض العملة وشجب تلك الانتقادات التي طفح بها الخطاب الرسمي الاندونيسي من ان اتفاق صندوق النقد الدولي هو عبارة عن ديكتات (شروط مجحفة) لكنه لم يتردد في التلويح بخطر وقف التعاون مع اندونيسيا ان هي تنصلت من التزاماتها الدولية على غرار ما وقع مع روسيا سنة 1996 حينما تلكأت في تنفيذ التزماتها المالية الدولية. وفي ذات الوقت انتقدت الصحافة الدولية خيار الرئيس سوكارنو (صندوق النقد الدولي زائد) وجنوحه الى القيم العائلية التي نادى بها ورأت في تلك الدعوة وسيلة لتبرير الاعتبارات الذاتية وذلك بتعيينه ابنته المعروفة بلقبها توتوت وزيرة او صديقة محمد حسن الملقب بــ (بوب) وزيرا للصناعة والتجارة. لكن دعوة الرئيس سوهارتو بالاعتماد على القدرات الذاتية تشكو من عجز فالرئيس سوهارتو اصبح ينظر اليه كنموذج لجيل لم يعد يرتبط بواقع جيل جديد, وان حوارييه المتحلقين حوله يخشون ان يجاهروه بالحقيقة, ثم ان الطبقة الوسطى التي كانت دعامة له اخذت تنأى عنه اما الجيش الذي يشكل اكبر قوة سياسية في البلاد فليس وحدة متراصة ولئن استطاع الرئيس سوهارتو ان يلعب على تناقضاته خلال حكمه الطويل فانه يظل الورقة البديلة اما خطر عدم الاستقرار الذي يجثم على البلاد ويهدد المنطقة باكملها ولم تكن الترقيات التي اقدم عليها الرئيس سوهارتو في صفوف الجيش والتعيينات الجديدة غريبة عن المسار العام الذي تجتازه اندونيسيا واما الدعم الخارجي فمثلما قالت صحيفة التايم فان (سوهارتو ان هو ظل في السلطة من دون ان يجري اصلاحات فانه يستطيع ان يعول على الدعم المالي الذي حظى به موبوتو وماركوس خلال السنوات الاخيرة من حكمهم (اي لا شيء) . ومن المفيد متابعة اسلوب تعامل دولة في حجم اندونيسيا مع الازمة من دون (وصاية) صندوق النقد الدولي. باحث مغربي*