لم تكن الضجة التي سادت معظم الدول الاوروبية والولايات المتحدة عقب نجاح حزب الحرية اليميني بقيادة يورج هيدر في دخول الوزارة النمساوية وليدة ذلك الحدث فقط والذي يعني احتمال سيطرة النازية الجديدة على الحكم في النمسا, بقدر ما كانت هذه الضجة تعبيرا عن مخاوف عديدة من احتمالات قوية لانتشار اليمين المتطرف في كل دول اوروبا وروسيا الاتحادية, بكل ما تحمله هذه الاحزاب السياسية المعبرة عن هذا التوجه من افكار هدامة تهدد بتقويض المجتمعات الاتحادية, الاوروبية خاصة في وقت تزداد فيه الازمات العرقية والطائفية وما يواكبها من نزعات انفصالية بجانب انتشار البطالة والفقر وشيوع موجات السخط على كل شيء, وهو في معظم الاحيان مصحوب بأعمال العنف القتل والتخريب, والذي يهدد بتفجر المجتمعات الاوروبية من داخلها وتقويض كل ما بنته اوروبا من حضارة في القرن الماضي, ففي الثلاثينيات من القرن الماضي ادى مثل هذا الوضع الى انتشار اليمين المتطرف والذي ادت سيطرته الى نشوب الحرب العالمية الثانية بعد ان سيطرت النازية والفاشية على دول المحور (المانيا وايطاليا واليابان) والتي راح ضحيتها خمسة ملايين نسمة معظمهم من ابناء اوروبا والولايات المتحدة واليابان, واليوم ورغم دروس التاريخ البشعة تسهل اوروبا تصاعد حركات اليمين المتطرف في كل بلدانها ولا يخفى انتماءاته الفاشية ويسعى لنشر خلاياه في كل انحاء اوروبا وهو ما يدفع الاوروبيين الى ابداء مخاوفهم متسائلين: الا يجب ان نخشى شبح هذا الوباء العالمي الجديد؟ وهل تؤدي الفوضي التى سادت مرحلة ما بعد انهيار الشيوعية الى نوع اخر من الشمولية ( الديكتاتورية)؟ وهل تكون دول اوروبية اخرى مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا وروسيا بعد النمسا في منأى عن هذا الخطر في الوقت الذي تحرز فيه الاحزاب اليمينية المتطرفة نجاحات متوالية؟ مظاهر النازية الجديدة يعرف اصحاب هذه الظاهرة في اوروبا (بالنازيين الجدد) او (اصحاب الرؤوس الحليقة) الذين يهددون الوفاق الاجتماعي من خلال اعمالهم العدوانية المتواصلة ضد كل من يختلف عنهم عقائديا وعرقيا في كافة انحاء اوروبا وقبل ان نتعرض الى شرح هذه الظاهرة الاجتماعية الاوروبية الخطيرة قد نتساءل من هم انصار مبادىء اليمين المتطرف الجديد الذين اوصلوا يورج هيدر من قبل الى السلطة في النمسا ويمكنهم ان يوصلوا امثاله الى السلطة في دول اوروبية اخرى؟ انهم شباب في سن صغيرة تتراوح اعمارهم ما بين 15و25 عاما ويرتدون غالبا ما يشبه قميصا او صدرية من الجلد سوادء لم يتسكملوا دراستهم بعد, وبالتالي فإنهم يتميزون بمستوى ثقافي متواضع كما انهم ينحدرون اجتماعيا من عائلات متوسطة او فقيرة (برجوازية) صغيرة لذلك فإن ظاهرة الرؤوس الحليقة او النازيين الجدد انما تعكس طابعا اقتصاديا اجتماعيا قبل ان يكون لها هذا الطابع السياسي الذي برز بوضوح اخيرا في النمسا. كما تقوم هذه الظاهرة على اساس مبدأ غريب يتمثل في: انا ضد اخي وانا واخي ضد ابن عمي... وأنا وعائلتي ضد الجماعة وأنا وجماعتي ضد الاخرى. والصلة بين اصحاب هذا التوجه اليميني المتطرف وانصاره ليست بيولوجية وانما ثقافية فالنازي الجديد... او صاحب الرأس الحليق هو كل من يترادف مع القيم التي ينادي بها نظام هذه الجماعة.. اما جميع الخارجين عليها فهم اعداء, والاعتقاد السائد في المجتمع الاوروبي انه اذا لم يستطيع الباحثون والخبراء والسياسيون وقوات الامن القضاء على اسباب هذه الظاهرة ومنعها, فإنه من المحتمل ان تكتسب ثقافة العنف للنازيين الجدد العديد من الانصار والاتباع. وقد حذر من هذا الخطر تقرير دولي اعدته مؤسسة الدراسات السياسية والاجتماعية الاوروبية عندما بدأت ظاهرة جماعات الشباب اصحاب الرؤوس الحليقة في الظهور ببعض الدول الاوروبية خاصة بريسانيا بين عامي 1967 و1969 في الاحياء الشعبية في لندن, وكانت الجماعة الاولى بينهم معروفة بعدائها للاجانب والتعصب القومي, وتتخذ لنفسها رؤية (بوليتارية) عمالية, وكان اول من قاد نوة الرؤوس الحليقة الاولى في اتجاه النازية الجديدة (ايان ستيوارت دونالدسون) المغني المعروف ومؤسس مجلة (الدماء والشرف) وفي الاجتماع الذي عقد في عام 1985 في (سوفلك) في انجلترا اشترى اخوان (بوسكيانو) الذين اسسوا بعد ذلك اول جماعة ايطالية للرؤوس الحليقة. ومنذ عام 1985 وحتى التسعينيات الى اليوم انتشرت حركة النازية الجديدة في العديد من الدول الاوروبية واصبحت متوازية اليوم بصورة دائمة في بريطانيا والبرتغال واسبانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا وبلجيكا والنمسا وكرواتيا وسلوفينيا واليونان والدينمارك وهولندا والسويد وسويسرا وبولندا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا السابقة وروسيا وليتوانيا.. كما انها توجد كذلك في الولايات المتحدة والبرازيل والارجنتين وكندا واليابان واستراليا. ويتضح من تقرير مؤسسة الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاوروبية التناقض بين مبادىء جماعة الرؤوس الحليقة, فهم على سبيل المثال يدينون المخدرات في المظاهر, ولكنهم يتعاطونها في الخفاء, كما ينتقدون العنف ولكنهم يمارسونه علانية وورد في التقرير المذكور ان في ايطاليا وحدها مالا يقل عن 21 جماعة من النازيين الجدد من الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 13و26 عاما, معظمهم من الذكور العمال ومن الطبقة البرجوازية الصغيرة ومعروفون بنزعتهم العنصرية وكراهيتهم للاجانب, وغالبا ما يقتحمون ملاعب كرة القدم يحملون اعلاما عليها شعار النازية ـ الصليب المعقوف ـ كما يترددون بكثرة على المراقص واماكن اللهو المختلفة في شكل جماعات مسلحة يرتدي اصحابها ملابس يغلب عيها اللون الاسود. واشد ما يثير القلق في ظاهرة النازيين الجدد لا يتعلق بأشكالها السياسية بقدر ما يتعلق بطابعها الاجتماعي والثقافي الاعم الذي يشمل قطاعا عريضا من الشباب المؤيد لهم والمناصر لافكارهم اكبر بكثير من القطاع المحدود المحصور في اعضاء هذه المنظمات المعروفين برؤوسهم الحليقة. بمعنى آخر فإن في دولة مثل ايطاليا لا يثير 2500 عنصر من حليقي الرأس قلق السلطات هناك, بقدر ما يقلقهم التعاطف الذي تبديه جموع الشباب الاخرين نحو هذه العناصر, والذي يبرز بشدة في الاحياء الفقيرة وفي ملاعب كرة القدم, حيث تشتد روح العداء للأجانب والحقد العنصري الذي اخذ يشتد في الاعوام الاخيرة بصفة خاصة ضد المهاجرين في الدول الاوروبية. ويقول تقرير مؤسسة الدراسات الاوروبية المذكور ان هذا القطاع العريض من الشباب تربط بينهم علاقات صداقة وثيقة ذات طابع محلي قبل كل شيء, ويتأثر انتماءهم الاجتماعي بالبيئة المتداعية للأحياء الفقيرة التي يقيمون فيها, حيث يعيشون على هامش مجتمع الرخاء, ويشكون من تزايد الهوة التي تفصل بينهم وبين الذين يعيشون في حالة من الرغد واليسر مجردة من العوز والحاجة كما يلاحظ التقرير ان موجة الفردانية واليقظة المؤلمة من احلام الرخاء في الثمانينيات قد دفعت هؤلاء الشباب الى ثقافة مطبوعة في عدم الثقة بالمستقبل يتخللها الخوف من العجز عن الصمود امام اعداء الحياة اليومية ومتاعبها, وبالتالي عدم اللحاق بالتطور الى حياة افضل. ويضيف التقرير ان في الاحياء المتداعية للمدينة حيث تختلط الطبقات الكادحة الفقيرة من السكان البيض مع المهاجرين من السود تتضاعف مشاعر الحقد والكراهية التي تطيح بمبادىء التضامن والوائم وتفجر ما يشبه حربا شرسة بين الجماعات المختلفة والمتنازعة على كسب لقمة العيش. وبالتالي تتحول الكراهية الغريزية للاجانب التي تكمن دائما في ثقافة الطبقات الضعيفة المغلوبة على امرها الى نوع من ثورة جنونية غاضبة تتخذ فيها حتما الاجنبي دور كبش الفداء, وهو ما انعكس في مقتل عشرات المهاجرين الاتراك في المدن الالمانية وكذلك مقتل عشرات المهاجرين عن بلدان شمال افريقيا في المدن الفرنسية وفي الرسائل المفخخة المرسلة من الدانمارك الى مقر جريدة (الحياة) في لندن ومكاتبها في واشنطن ونيويورك والرياض, وكان النازيون الجدد وراء كل هذه العمليات الارهابية. اليمين المتطرف يجتاح اوروبا يقول (برونوميجريه) من المسئولين الكبار في (الجبهة الوطنية) المتطرفة في فرنسا: (توجد اليوم في العالم حركة ايديولوجية مرتبطة بانهيار الماركسية.. ولم يعد هناك مبرر لوجود مواجهة بين الرأسمالية والشيوعية.. المواجهة الجديدة اصبحت بين العالمية والقومية وتؤيد الاحداث الواقعة الآن في العالم وجهات نظرنا وتدعم معتقدات انصارنا ونحن نسير مع حركة التاريخ) ولم يخطىء (ميجريه) في كل ما ذكره اذ هبت على اوروبا رياح التطرف اليميني العنصري في الغرب والشرق على السواء عصفت بفرنسا اولا في بداية الثمانينيات من خلال (جون ماري لوين) ولفترة طويلة ساء الاعتقاد انها هجمة موقعة ومحددة تقتصر على فرنسا الا ان الاحداث اثبتت ان وباء التطرف انتشر في كل القارة الاوروبية فقد اكد النجاح الذي حققته الاحزاب اليمينية المتطرفة في كثير من الدول الاوروبية ان هذه الظاهرة مستمرة, جذورها ضاربة في اعماق التاريخ السياسي لهذه الدول, واسبابها معقدة ومتشابكة ومستمرة في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا توجد اي مؤشرات تنبىء عن اختفائها في المستقبل القريب. وبالرغم من انه من الصعوبة بمكان محاولة تحديد اليمين المتطرف في اوروبا بصفة عامة. بسبب اختلاف طبيعة الاحزاب اليمينية المتطرفة الاوروبية من حيث ايديولوجية واستراتيجيتها ورد الفعل الجماهيري لها, خاصة وان بعضها اكثر جماهيرية واقل تطرفا من البعض الآخر, الا ان ما يوجد بينها هو اجماعها على نوع من الرفض العرقي والعداء للأجانب والمهاجرين واللاجئين من خارج البلاد وخاصة من العالم الثالث. حيث تعبر هذه الاحزاب عن فكر قومي محلي يتصف بالعدوانية لكل ما هو اجنبي. وبالرغم من ان هذا العداء كان موجودا دائما في المجتمعات الاوروبية وكانت تمثله احزاب اليمين المعتدل مثل (حزب المحافظين البريطاني) و(الاتحاد من اجل الديمقراطية الفرنسية) الا ان التعصب القومي والرفض الوطني لم يكن يحتل هذه الاهمية المحورية في برامج تلك الاحزاب كما اصبح الحال اليوم بالنسبة لاحزاب اليمين المتطرف الاوروبي التي جعلت من قضية الهجرة المبرر الاساسي لوجودها والمحرك الفعلي لانشطتها السياسية وهو ما انعكس بوضوح في وضع النمسا حيث بدأت الحكومة في وضع سياسات من شأنها منع وصول اي مهاجرين جدد للبلاد كما سعت الى دمج المهاجرين المقيمين في النمسا. أـ النمسا وفرنسا ومع انطلاق احزاب اليمين المتطرف من مصادر ايديولوجية متشابهة تبدي قدرا من الولاء والانتماء للخبرة الثانوية الا ان الاختلاف والتفاوت في التطبيق يظهر متباينا فيما بينها بالنظر لاختلاف الظروف الاقتصادية والاجتماعية في كل بلد عن الآخر, وبالتالي تتفاوت الرؤى والبرامج لاسيما الاجتماعي والاقتصادي يبرز هذا الاختلاف واضحا بين النمسا وفرنسا ففي الاولى نجد حزب الحرية يرفض اندماج النمسا في الاتحاد الاوروبي بشكل كامل يقضي على الهوية النمساوية, ويحذر من التفاعل مع السياسات الاوروبية لاسيما سياسية توسيع دائرة عضوية الاتحاد الاوروبي بضم دول اوروبا الشرقية التي ستتدفق قواها العاملة الكثيفة على بلدان اوروبا الغربية على حساب العمالة الوطنية في هذه البلدان وبما يضخم من مشكلة البطالة التي تعانيها. كما اعلن ايضا رفضه للسياسات النقدية والعملة الموحدة (اليورو) كما دعا زعيم هذا الحزب الى صياغة وعي اجتماعي جديد, يدافع عن الفقراء في مواجهة المميزين والاثرياء واعطاء كل طفل في البلاد شيك بـ 5700 شلن نمساوي واصلاح النظام الضريبي لصالح الفئات الاقل ثراء. اما في الحالة الفرنسية ورغم ان الجهة الوطنية رفضت التوقيع على اتفاقية ما ماستريخت للوحدة الاوروبية عام 1993 الا ان ذلك لم يجعلها تتخوف من الاندماج الاوروبي كما هو الحال في النمسا ولا من توسيع دائرة الاتحاد الاوروبي بضم بلدان اوروبا الشرقية وربما يرجع ذلك الى شعور فرنسا بحجمها وفعاليتها كدولة اوروبية كبيرة لها هويتها المميزة التي يمكن ان تذوب في الاتحاد الاوروبي على خلاف الوضع بالنسبة للنمسا التي تعتبر بجميع المقاييس دولة اوروبية صغيرة لـ 8 مليون نسمة ومساحتها 83850 كم) الا ان الجهة الوطنية في فرنسا تتفق مع حزب الحرية في النمسا في موقفه من المهاجرين الاجانب ويرجع ذلك الى وجود حوالي 4.5 مليون مهاجر في فرنسا 90% منهم من دول شمال افريقيا يختلفون عن الفرنسيين في السمات العرقية والديانة والثقافة والتقاليد والعادات واسلوب الحياة بصفة عامة مما دفع فرنسا في عام 1997 الى اصدار قانون جديد للهجرة فرض قيودا صارمة على استقبال اي مهاجرين جدد والوصول بنسبتهم الى الصفر% وقد صاحب اصدار هذا القانون حملات توقيف ومداهمات شنتها السلطات الفرنسية لترحيل الاجانب المقيمين بصورة غير مشروعة وكانت حجة السلطات الفرنسية في ذلك تفاقم مشكلة عدم الامان وتردي الاوضاع الاجتماعية خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة وقد انتقل شعار (فرنسا للفرنسيين) الذي رفعه رموز التعصب القومي الى سلطات الامن وكان انعكاسه في اقدام رجل شرطة فرنسي على اطلاق النار على المواطن الجزائري رشيد عجواني عام 1994 وحينما عبر مهاجر جزائري عن غضبه لهذه الفعلة الشنعاء ارداه رجل الشرطة هو الآخر قتيلا!! وقد استفاد التيار اليميني المتطرف في فرنسا والذي يمثله حزب الجبهة الوطنية, من هذه الادعاءات في الانتخابات بالحصول على اصوات المنتمين للشرائح الاجتماعية المتوسطة والفقيرة مثل اصحاب الوظائف المستقلة واصحاب المصانع الصغيرة والتجار والحرفيين والعمال لاسيما في المناطق الواقعة على الحدود في الجنوب بالقرب من البحر المتوسط, وفي الشرق في الألب والالزاس, وفي الشمال وفي التجمعات الحضرية التي يتركز فيها السكان حول باريس, وهي المناطق التي تتضخم فيها الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية وتظهر فيها مشاكل الهجرة والاحساس بعدم الامن بصورة اكثر حدة. الا ان الاحصاءات اثبتت ان وجود المهاجرين الاجانب ليس السبب الاساسي في ازدياد نسبة البطالة في فرنسا كما يردد حزب الجبهة الوطنية حيث انخفض عدد المهاجرين بمقدار النصف في السنوات الاخيرة ومع ذلك ازدادت نسبة البطالة. ففي عام 1981 كان عدد العاطلين حوالي مليون مواطن ارتفعت في عام 1993 الى 3 ملايين عاطل يشكلون 10% من اجمالي السكان وصلت الآن الى 12.5% وهي من اعلى النسب في اوروبا في ذات الوقت الذي انخفض فيه عدد المهاجرين القادمين الى فرنسا من 135.372 ألف في عام 1993 الى 116.161 ألف في عام 1994 ثم انخفضت الى 87.770 في عام 1995 لتصل في عام 1996 الى 68.28 مهاجر ثم الى 40.22 ألف مهاجر في عام 1997 بينما استمرت معدلات البطالة في ارتفاع سنوي. ب ـ المانيا يتخذ العنف الذي يمارسه النازيون الجدد في المانيا ابعادا مأساوية وخطيرة فهناك ما لا يقل عن 58 منظمة وحزبا وجماعة تمارس العنف في شتى المدن الالمانية ضد الاجانب بلا استثناء منهم فقط 4 منظمات معروفة والباقي منظمات سرية تعرفها اجهزة الامن لكنها لا تداهم مواقعها ولا تحاول كشف او تتبع اعمالها الاجرامية لاسيما ضد الاتراك الذي يبلغ عددهم في المانيا حوالي 2 مليون تركي يعاملون باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة رغم حصول معظهم على الجنسية الالمانية حيث يستفحل مرض العنصرية والتعصب ويكبر لاسيما بين الاجيال الجديدة, والذي تمثل في ابشع صورة في حرق عدد من الفتيات التركيات بمعرفة صبي يبلغ من العمر 16 عاما!! ففي استطلاع رسمي للرأي جرى وسط مدرسة اعدادية على نحو 2500 تلميذ اكد 30% منهم بأنهم اشتركوا بالفعل في اعمال عنف ضد الاجانب وتبين ان 20% يحملون السلاح وهم في طريقهم الى المدرسة بدعوى احتمال تعرضهم لاعتداءات من المهاجرين بما صورت لهم جماعات اليمين المتطرف, اما 6% فقد قالوا ان المشاكل التي يواجهها المجتمع الالماني لا يمكن حلها الا بالارهاب والعنف) . وبعد ان كانت المانيا ملاذا للاجئين والمهاجرين الذين ساهموا في اعادة بنائها بعد الحرب العالمية الثانية وحتى السبعينيات اصبحت منذ اواخر السبعينيات تقود اوروبا لحرب المهاجرين بل وتصدر اليها تنظيمات النازيين الجدد. لدرجة ان الالمان يجوبون اوروبا لعقد الندوات والمؤتمرات التي تدعو لتشكيل تنظيمات متطرفة تؤمن بالعنف كسياسة لطرد المهاجرين والتخلص منهم دون انتظار القوانين الحكومية. وعندما خرج احد دعاة حقوق الانسان الى التلفزيون الالماني ليقرر: (انظروا الى برشلونة او ملاعب ايطاليا وتأملوا الفرق الاوروبية في شتى الألعاب الرياضية وستجدون ان قطاعا كبيرا من الملونين وهم من المهاجرين القدامى, يقودون بلادنا نحو انتصارات رياضية ترفع من شأننا) ولم يكد الرجل ينتهي من ملاحظته حتى انهال على التلفزيون آلاف المكالمات التليفونية كان اغربها من سيدة تبلغ من العمر 85 عاما تقول فيها: (هذا المعتوه الذي نسب انتصاراتنا في مجال الرياضة للملونين السود نسي او لعله تناسى اننا نحتقرهم حتى وهم يحرزون النصر لنا. ان رائحتهم كريهة وان اصحاب النصر الحقيقيين هم ابناء المانيا البيض الذين ينحدرون من ارقى الاجناس البشرية) فإذا كانت امرأة ذات الـ 85 عاما تحولت للعنصرية في هذا السن الحرجة, فهل من المستغرب ان ينفذ ابن 16 عاما حادث حرق الفتيات التركيات؟ لا توجد ادنى غرابة في ذلك. ولم تكتف المنظمات النازية بالتعديلات التي ادخلت على المادة 16 من الدستور الالماني التي اقرت طرد الاجانب من المطارات والموانىء وعدم السماح بدخولهم المانيا, بل طالبت بطرد الاتراك الموجودين والمقيمين حاليا بصورة مشروعة او غير مشروعة وحينما عبرت بعض النساء الالمانيات المتزوجات من اتراك عن معارضتهن لهذه الحملة ردت المنظمات المتطرفة: (لابد من ترحيل هؤلاء النساء الخائنات قبل ترحيل ازواجهن لانهن خن سياسة المحافظة على بقاء الجنس الالماني) الى هذا الحد المخيف تبلغ حجم الكارثة في المانيا بعد ان خرج زمام الامور من الحكومة الى ايدي الجمعات والمنظمات اليمينية المتطرفة والتي اصبحت تفرض توجهاتها على الحكومة لاسيما شعار (اطردوا الاجانب) . وقد ارتكبت هذه الجمعات المتطرفة في عام 1992 فقط اكثر من 2184 عملية عنف قتلوا فيها 27 شخصا. ولا يخفي زعماء هذه الجماعات النازية أمثال (جيرهارد فراي) و(فرانز شوتهويد) اعجابهم بـ (جرينوفسكي) زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي في روسيا وهو رجل متطرف ومتعصب وعنصري بدرجة كبيرة, ونجح في الحصول على 25% من اصوات الروس في الانتخابات التشريعية فقد ثبت وجود تنسيق وتعاون مستمر بين التنظيمات اليمينية المتطرفة في المانيا وجرينوفسكي, حيث قدموا له مساعدات مادية ضخمة لتساعده على الفوز. وقد صدر عام 1994 كتاب في المانيا بعنوان (تصفية حسابات) لمؤلفه (امنجوها سيلباخ) احد زعماء النازية الجديدة سابقا حيث قص فيه تجربته مع النازية الجديدة التي اصبحت تجذب الشباب الالماني من كل صوب بدءا من الاعتناق والانبهار بها الى اكتشاف وجهها القبيح وصدمته بما رآه فلقد تسلق هاسيلباج سلم منظمات النازية الجديدة بقناعة ودأب واستمرارية ليصل في سن 26 عاما الى منصب حركة نازية في المانيا الشرقية تعرف باسم (البديل الالماني) ثم كون حزبا باسم (البديل الوطني) فيذكر في كتابه انه استطاع ان يصل الى عقول وقلوب الشباب لان المدرسة لا تتحدث مع الصغار عن النازية بشكل مستفيض فلا توضح حقيقة هذه الحركة المتطرفة من جذورها وهو ما يعطي النازيين الفرصة والمساحة الزمنية لكي يجذبوا الصغار الى الجوانب الايجابية التي يشملها نظام (الرايخ الثالث) وبدون الاشارة الى جوانبه السلبية المدمرة. ويوضح ان النازية كعقيدة وفكرة اصبحت ذات جاذبية خاصة بالنسبة للشباب المقبل من شرق المانيا ويبحث عن هوية فوجد فيها اشباعا لاحتياج عميق للانتماء ثم يضف هاسيلباخ التدريبات العسكرية الدورية التي كانت الحركة تنظمها وكيف كان كبار المحامين والاطباء واساتذة الجامعات يتبرعون بأموال طائلة للاحزاب اليمينية المتطرفة. وعندما قام المتطرفون في عام 1992 بالتحدد في مدينة روستوك, واحرقوا منازل المهاجرين وسرقوها لمدة خمسة ايام بدون أي تدخل من البوليس ادرك لاول مرة مدى انحراف الحركة النازية الجديدة وانها اطلقت العنان لاشباح مخيفة. ويضيف: (لقد جاءت اخيرا نقطة التحول الحاسمة عندما صاح (حليقوا الرؤوس) النازيون الجدد (هيل هتلر) ثم نجروا منزلا يعيش فيه مهاجرون اتراك وقتلوا طفلة تركية في العاشرة من عمرها مع جدتها) . هنا لم يحتمل هاسيلباخ الاستمرار وقال: (لقد شعرت بتعزيز بالغ عندما رأيت جثة الطفلة وهم يخرجونها من المنزل وادركت انني احد المسئولين عن هذا الحادث البشع) فذهب بعد ذلك الى فرنسا حيث اختفى لفترة حاول التخلص فيها من تأثير النازية التي انتشرت في جسده وعقله تسمم افكاره واحاسيسه وحتى يقطع على نفسه كل خط رجعه اصدر كتابه الذي اعلن فيه موقفه من الحركة النازية وكشف فيه النقاب عن النازية كعقيدة وممارسات هدامة واظهر حقيقتها التي وصفها بأنها (فكرة شاذة وسخيفة وخطيرة ومجنونة) وقد طالب بعض الناشرين بتدريس هذا الكتاب في المدارس الالمانية حتى يساعد الشاب على مواجهة بعض مشاكلهم الخطيرة التي انبعثت من الازمة النفسية والاجتماعية التي تعيشها المانيا بعد الوحدة والتي كانت سببا في ضياع هوية جيل من الشباب. ايطاليا حصل حزب جيانغرانكو فيني (41 عاما) سكرتير الحركة الاجتماعية الايطالية الفاشية الجديدة على 33% من الاصوات من الانتخابات البلدية. ويحاول فيني وهو شاب ان يبدو كرجل اليمين الليبرالي البعيد عن التطرف والعنف في حين ان حزبه يستهدف استثمار ميراث نظام موسوليني الذي انتهى بمأساة فلم ينكر هذا الحزب اصوله من البداية باعتباره حزب قومي معاد للامريكيين يطالب بزيادة النفقات العسكرية وتطوير الطاقة النووية وتقييد رؤوس الاموال الاجنبية وخفض مساعدات العالم الثالث وحظر مظاهرات القطاع العام. ويعتبر هذا الحزب تعبيرا عن اصوات الموظفين المحبطين وصغار التجار واتباع موسوليني, كما يعتبر المسئول الاول عن استراتيجية التوتر التي اغرقت ايطاليا في حمامات الدماء على مدى العشرين عاما الاخيرة. بريطانيا وفيما ظن العالم ان بريطانيا لم تدشن بعد اي خطوة سلبية نحو المهاجرين فإن ما ابداه ونشتون تشرشل عضو مجلس العموم عن المحافظين وحفيد الزعيم البريطاني الراحل تشرشل من اراء في هذا الصدد في عام 1994 فتح الباب على مصراعيه لكي تنضم بريطانيا للطابور الاوروبي الذي يسعى للانقضاض على المهاجرين فقد قال (لابد من عمل عاجل لوقف تدفق المهاجرين لأن قيمهم الثقافية لا تتفق والقيم البريطانية وانهم (اي المهاجرين) يستغلون الاموال البريطانية بالتحايل على النظم الاجتماعية وهو الامر الذي افرز فضائح بلغت الملايين في نظام التأمين الاجتماعي, وبذلك اعاد تشرشل فتح باب كان مغلقا منذ عام 1968 حين ألقى اينوك باول من حزب المحافظين خطابا حاد اللهجة ضد المهاجرين. وصف فيه تدفقهم بأنهار الدم محذرا من التأثير الاجتماعي للمهاجرين واحتمالات حدوث حرب اهلية في بريطانيا الا ان ادوارد هيث زعيم حزب المحافظين انذاك سارع بإقالة اينوك باول من حكومة الظل مؤكدا سياسة حزبه بشأن ابواب الهجرة المفتوحة في اطار القانون, ولكن مما يرشح بريطانيا لتقف في الطابور نفسه الفرنسي او الالماني تزايد عدد المسلمين بها من اصول اسيوية وافريقية وهو السبب الذي حرص تشرشل على ابرازه بلغة الارقام, فلم يجد من يعارضه اللهم الا بعض التحفظات على ما قاله برغم انه قال بصراحة تامة: (انه يعيد مقولة باول نفسها لأنه يؤمن بها) . دور الازمة الاقتصادية في صعود اليمين المتطرف لقد ادى التحديث السريع في المجتمعات الاوروبية في السبعينيات وحتى اليوم الى سرعة الانتقال من الانتاج والاستهلاك على نطاق واسع الى نظام جديد يهدف الى انتاج متخصص جدا من خلال نظم انتاج تشرف عليها قوى عاملة على درجة عالية من المهارة مما نتج عنه انتشار نظم انتاج على درجة كبيرة من التقدم التكنولوجي وتزايدت بالتالي الوظائف التي تتطلب شروطا عالية من التخصص والتنظيم والادارة. ومعنى ذلك ازدياد الطلب على المستويات العالية من التعليم العام والمهارات الوظيفية المتخصصة والتدريب طويل الامد, وان ينخفض في الوقت نفسه الطلب على الوظائف غير الماهرة وشبه الماهرة في الانتاج والتنظيم والنقل والمبيعات. ونتيجة لما سبق ظهر في الدول الصناعية المتقدمة ازدواجية طبقية تقوم من جانب على طبقة وسطى جديدة متعلمة جدا من الموظفين والمهنيين وكبار العمال في المصانع, يواجهها من جانب آخر قطاع هامش من العمال غير المهرة ونصف المهرة, وشباب بدون تعليم عام كامل وبدون تدريب كاف. هذا بالاضافة الى الاعداد المتزايدة من المتعطلين نتيجة لهذا التحول الانتاجي وقد تزامن ذلك مع زيادة المهاجرين الذين وجدوا لهم فرص عمل في الوظائف والاعمال الدنيا والذين تركزوا في المناطق الصناعية والمدن الكبرى واصبحوا يقيمون في تجمعات سكانية تأثرت بشدة بالأزمة الاقتصادية التي بدأت في السبعينيات فانتشرت بينهم البطالة وعانوا من تدهور شديد في الخدمات العامة وبرز واضحا تصارع الثقافات بين السكان الاصليين وهؤلاء الوافدين, الوضع الذي استغلته الاحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة بأن ربطت بين تزايد عدد المهاجرين ونوعياتهم واحوالهم الاقتصادية والاجتماعية السيئة وبين قضيتي عدم الامان وتهديد الهوية القومية وبذلك تقدم التيار اليميني المتطرف على الساحة السياسية في دول اوروبا بصورة جديدة تماما جذبت اليه تلك النسبة العالية من المؤيدين الذين هم في حقيقة الامر لا ينتمون ايديولوجيا الى اليمين المتطرف ولكنهم يئسوا من الوضع الاجتماعي والسياسي وارادوا ان يعبروا عن احتجاجهم وعدم رضائهم عن المسئولين السياسيين سواء من اليمين او اليسار بالتصويت لصالح اليمين المتطرف.