صيف ايهود اولمرت هذا العام بدأه بأمطار على غزة في محاولة لتدارك وانقاذ ما يمكن انقاذه من السمعة الزائفة للجيش الإسرائيلي التي بددتها عملية «الوهم المتبدد» وخطف جندي يهودي مقاتل وليس مدنيا ويبدو ان الصيف سيكون شتاء على اهالي غزة خصوصا تلك الامطار التي تسقط من طائرات اف 16 الأميركية.

على الفلسطينيين ان يتناسوا ما يعرف بالدعم العربي او صحوة الضمير العالمي الذي رهنته الدول لمصالح النفاق وعليهم كما يقال ان «يقلعوا» اشواكهم بأيديهم فالمخطط الاسرائيلي يسير وفق خطط اولمرت بعد ضوء اخضر أميركي وصمت عربي. والمخطط بات معروفا لا يحتاج الى محلل سياسي رفيع والهدف ونعني به استبدال الحكومة الفلسطينية الحالية بحكومة اخرى مرنة في التعامل مع المعطيات كما يقول اصحاب اوسلو.

وبالطبع المخطط لن يتم الا عبر قتل واعتقال اعضاء الحكومة الحالية التي اختارها الشعب الفلسطيني ضاربا بعرض الحائط مفاوضات اوسلو وتنطع عباقرة المفاوضات والتحليلات التي ما جلبت على الفلسطينيين غير الغارات الاسرائيلية والوعود العربية التي باتت نكتة يتندر بها الجميع.

لا يحتاج المرء الى كثير من فطنة ليدرك ان الفلسطينيين منذ زمن قد تركوا وحدهم لمواجهة آلة القتل الاسرائيلية التي تستنفر هي والمجتمع الدولي الذي فقد بوصلة الضمير وتناسى الخطف اليومي المستمر للالاف من اصحاب الارض الذين شردوا وسجنوا وقتلوا وهم يدافعون عن ارضهم.

الغريب في الامر كثافة الوساطات والوفود العربية في هذه القضية مقارنة مع عمليات خطف سابقة قامت بها الدولة اليهودية ولم تتحرك ضمائر السياسة العربية المشلولة وما زال البعض يتحدث عن عقلانية المفاوضات والسلام الدائم والتعايش وهم يعرفون في مكنونات انفسهم كيف يضحك اليهود على هذه المفردات.

بالطبع الرئيس بوش ورغم انشغاله بمعاركه في العراق وافغانستان ودفاعه المستميت عن المجازر والفضائح التي ارتكبتها قواته في العراق ما زال يؤكد ان قواته وفرت الحرية لاكثر من 50 مليون انسان وهو لم ينس بالطبع حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وهي الدولة التي تمتلك خلاصة ما وصلت اليه التقنية الاميركية واسلحتها المخصصة للقتل.

هذه المرة جاء الدور على اولمرت ليجرب قوته في الفلسطينيين بعد رابين صاحب الدعوة الشهيرة بتكسير عظام الفلسطينيين وبيريس بطل قانا ونتانياهو وشارون وباراك وغيرهم من جنرالات الحروب الذين جربوا كل انواع الاسلحة في الجسد الفلسطيني ولن يكون اولمرت استثناء حين يهدد الفلسطينيين بإسقاط السماء عليهم.

العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني ليس وليد الساعة او انه نتاج لخطف الجندي الذي بدد كثيرا من الوهم اليهودي وغطرسة القوة، فهناك عدوان منذ بداية هذا القرن على كل ما هو فلسطيني وهو عدوان لم يقتصر على اسرائيل فقط بل شاركتها فيه دول النفاق الاوروبي والدولة العظمى التي ورثت غطرسة الامبراطورية البريطانية، كما شاركت فيه بطريقة او بأخرى بعض السياسات العربية التي فتحت عواصمها لقادة اليهود مثل اولمرت وبيريس ومنعت القادة الفلسطينيين وابعدتهم من اجل استقبال حفنة من القتلة.

تخيل معي لو ان الفلسطينيين قتلوا عائلة يهودية كعائلة الطفلة الفلسطينية على شاطئ غزة ماذا سيرد المجتمع الدولي بل قل ماذا سيقول اصحاب الحل السلمي وتباكيهم على السلام الذي تنتظره شعوب المنطقة بمجرد ان قبلت بالاحتلال اليهودي للارض العربية وهم يدافعون عن هذا المبدأ تحت نيران دبابات ميركافا التي تضرب البيوت الفلسطينية والطائرات التي تقصف محطات الكهرباء والمياه.

السياسة العربية باتت «حدوتة عربية» وهي بالفعل تستحق وقفة جادة لدراستها ومعرفة آليات عملها ودبلوماسيتها خصوصا في التعامل مع الكثير من الازمات سواء تلك الازمات التي تضرب داخل المجتمعات العربية نفسها او في التعامل مع امطار الصيف الاسرائيلية حتى ان الاحتجاج غاب عن القاموس واستدعاء السفير الذي تحرسه بعض الجيوش العربية بات غير مقبول اما سحب السفير او حتى استدعائه فهي تمثل جرأة لم تصل اليها بعد الدبلوماسية العربية.

لا شك ان الشعب الفلسطيني يعرف ان تهديدات اولمرت حقيقية وهو يعرف ان الدعوات العربية لوقف العدوان جوفاء ولا تستحق الوقوف عندها لكنهم يدركون ايضا ان اولمرت سيذهب الى مقبرة التاريخ كما ذهب غيره ولن يستطيع تحريك الفلسطينيين عن حق آمنوا به وتراب دفنوا فيه موتاهم واشجار جرفتها دبابات الاحتلال.

asmadi@albayan.ae