ما ان أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن خطأ حساباته بالنسبة لردة الفعل الإسرائيلية على اختطاف الجنديين الإسرائيليين حتى وجدها تيار العقل والمنطق وفرص السلام الزائفة فرصة للتحدث عن صواب قرارهم باحتقار كل أشكال المقاومة حتى السلمية منها وتوفيرهم الغطاء والتبرير اللازم لتدمير بلد عربي محتل حتى قبل ان تبدأ الطائرات الإسرائيلية تدمير جسورها وطرقها وبنيتها التحتية.

التيار ذاته دأب دوما على مهاجمة كل أشكال المقاومة في فلسطين ضد أبشع احتلال عسكري عرفه التاريخ وهاجم أيضاً المقاومة الشرعية للمحتل الأميركي وبرر للمحتل قتل أكثر من 100 ألف عراقي حتى اليوم وهو ذات التيار الذي يرفض حتى الحديث عن الدفاع عن النفس.

عندما يعلن حسن نصر الله على الملأ خطأ حساباته فهو يرسي معايير عالية من نقد الذات ذلك ان الشعوب العربية لم تعرف هذه المكاشفة من قبل أي مسؤول أو نظام عربي والرسمي العربي كان دوما لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو لا يخطئ وكأنه فوق الجميع .

وهنا لا ندافع عن حسن نصر الله أو نبرر أعماله بقدر ما هي إشارة إلى مبدأ الاعتذار والمصارحة الذي بات صناعة غريبة عن المنطقة ومن يعمل فقط هو الذي يخطئ وطالما كان هناك احتلال إسرائيلي لأرض عربية فستجد دوما من يقاوم ويقاتل سواء تلك المقاومة العسكرية أو غيرها من أشكال المقاومة والحديث عن السلام والتعايش المشترك سيبقى وهما في رؤوس من يروجون له مادام ان هناك حقوقا يجب ان ترد لأصحابها.

المهم ان حسن نصر الله ومن خلال صراحته المعهودة حتى في ظروف الحرب قد يكون حالة استثنائية نتمنى ان تكون عدوى حميدة تنتشر في هشيم معظم الأنظمة العربية الرسمية وتدفعها إلى مصارحة شعوبها في مختلف شؤون حياتها بدلا من ان زرع الأوهام وتحويل الفشل إلى انتصار بفضل عمليات التطبيل والتزمير لأبواق ما عادت تسمع حتى من أصحابها.

لقد سجل التاريخ الكثير من عمليات المصارحة بين الأنظمة وشعوبها حتى في أحلك الأوقات ولم تنهار تلك الأنظمة أو الدول بل على العكس اكسبتها مزيدا من القوة والمنعة لأنها تستند إلى شعوبها في المقام الاول ولا نمارس جلد الذات إذا قلنا ان هذه الفضيلة ما زالت مغيبة في عالمنا العربي والكثير يعتبر ان المصارحة أو الاعتراف بالخطأ جريمة وعيب لا يجوز ان يتبدى أمام الناس وما زال كثير من الأنظمة الرسمية يراهن على الزمن الذي يكفل بطمس الحقائق وتغييبها.

لقد تسبب تغييب الحقائق عن الشعوب الكثير من المصائب لهذه الأمة ولا نتحدث هنا عن الجوانب العسكرية والسياسية فقط التي انتشرت في الخمسينات والستينات بل أيضاً في الجانب الاقتصادي والاجتماعي حين تروج أنظمة عن نجاحاتها الاقتصادية ثم يتبين بعد ذلك مدى فشل تلك البرامج والكوارث التي جرتها على الشعوب بفعل عمليات التضليل والتدليس المستمرة.

أرجو ان يدرك أنصار السلام المشلول والمزعوم والذين ما زالوا يراهنون على كرم إسرائيل في عملية السلام انني أتحدث عن الجرأة والفضيلة في الجهر بالحق أو الاعتذار ان كان هناك اعتذار من حسن نصر الله ولا أتحدث عن تداعيات المعركة ومن انتصر فيها ومجرياتها ذلك ان مبدأ الدفاع الشرعي عن الأرض مرفوض تماما عند هؤلاء ومقاومة الباطل والظلم كلمات عنترية يجب التخلص منها لصالح السلام والمفاوضات والتعايش مع المحتل.

asmadi@albayan.ae