يكتسب الحديث عن انضمام اليمن إلى منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، أهمية خاصة بسبب طبيعة وحساسية العلاقات التي تربط الجانبين ، وبحكم الروابط الاجتماعية والتاريخية والجغرافية التي تجعل من بقاء اليمن خارج هذه المنظومة التي أثبتت أنها أكثر التجارب العربية الوحدوية صمودا رغم تواضع الانجازات امرا غير مفهوما.
ومهما يكن فقد أصبح في حكم المؤكد ان " قناعات " معينة قد بدأت تترسخ لدى قادة و أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي بأن المجلس هو المكان الطبيعي لليمن ، وأن استمرار اقصاءه لم يعد مبررا ، رغم كل المعوقات التي يسوقها المتشائمون .
ولعل ابرز عائق يقف أمام انضمام اليمن هو ، ان مجلس التعاون ليس لديه آلية واضحة أو معايير وضوابط محددة للانضمام – كماهو حاصل في الاتحاد الاوروبي - يمكن مطالبة اليمن بالتزامها كي تنظم الى المجلس ، غير ان غياب هذه الآلية أو الرؤى لا يعني ، ويجب ان لا يعني ان المجلس ناديا مغلقا ، فهناك قناعات لدى عدد من اعضاء المجلس بضرورة انضمام اليمن وهي الدول التي تحرك ملف اليمن في المجلس .
وبغض النظر عن هذه الاشكالية التي يرى الكثيرون ان تجاوزها ليس بالامر الصعب ، فإن هناك مخاوف يسوقها " بعض " الخليجيين باعتبارها معوقات تحول دون انضمام اليمن للمجلس ، وتشمل تلك المعوقات معوقات سياسية، واجتماعية ، وامنية ، واقتصادية . حيث يرى " بعض " الخليجيين ان اختلاف النظام السياسي اليمني عن مجمل الانضمة السياسية الخليجية هو احد اهم العوائق ، خصوصا اذا ما اضيف إليها ما يسمى بـ " الثورجية " التي تغلب على اهل اليمن .
ويأخذون على اليمنيين انهم دائما كانوا يذهبون بعيدا في تحالفاتهم ، مع انظمه ليست على علاقة طيبه مع دول المجلس . كما يرون ان وجود السلاح ، وانتشاره في اليمن امر مقلق وعائق ،خصوصا اذا ما اخذ في الاعتبار تغلغل القبيلة وتماهيها معه بالاضافة الى انتشار كثير من الافكار الدينية الغير سوية والتي تولد في كثيثر من الاحيان جماعات متطرفه تشكل تهديدا امنيا ليس لليمن فحسب بل ولدول الخليج عموما .
كما أن من ابرز العوائق التي تُطرح تحلف الاقتصاد اليمني ، والكثافة السكانية الكبيرة لليمن ، ناهيك عن التخلف العلمي وانتشار الامية ، مايجعل غالبية العمالة اليمنية عمالة غير ماهرة او مؤهلة للانحراط في السوق الخليجي وبالمحصلة فان البعض يرى ان اليمن سيكون هما اقتصاديا ، ولا يمكن ان يشكل حاضنا او سوقا للاستثمارات والمنتجات الخليجية ، بقدر ما سيكون عبئا على موازنات هذه الدول .
هذه باختصار شديد هي اهم وابرز المعوقات التي يطرحها اهل الخليج ، فكيف يرد عليها ؟ يرد "جميع " اليمنيون على هكذا تخوفات كما يلي: أولا : ان النظام السياسي " المختلف " في اليمن لا يمكن بأي حال ان يكون عائقا ، فالنظام السياسي اليمني في جوهره لايختلف عن الانظمة السياسية في الخليج ، كما ان " الثورجية " ليست حكرا على اليمنيين ، ويشيرون في هذا الخصوص الى ان هناك تباينات واضحه بين الانظمة السياسية في دول الخليج ، بل ان هناك دولة خليجية هي اكثر " ثورجية " من اليمن ، ويعتبر اليمنيون ان هذا ليس عيبا ولا يجب ان يكون عيبا لا في حق هذه الدولة ولا في حق دول المجلس ، بل ان التباين امر ضروري للتطور والبقاء.
ثانيا : ان النظام السياسي في اليمن رغم مايقال عن " اختلافه " الا انه باستقراره خلال العقود الماضية ظل هو الظهير الامن للحزام الجنوبي للمجلس ، وان هذا النظام السياسي باختلافه وديموقراطتيته خصوصا بعد الوحدة هو الذي انهى ملف الحدود مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ، وهو الامر الذي ما كان يمكن ان يتحقق لولا توحد شطري اليمن في كيان واحد ، وبنظام ديموقراطي حر ، ذلك ان كلا من النضامين لم يكن بمقدوره ان يقدم تنازلات حقيقية في سبيل انهاء ملف الحدود خوفا من ان يتهم من قبل الاخر بالتقصير والتفريط باراضي الوطن.أما فيما يخص القبيلة فان هذا الامر ليس حكرا على اليمن ، فالقبيلة عمال مكون للمجتمع العربي عموما، والخليجي واليمني على وجه الخصوص ويشيرون الى ظهور العامل القبلي في الانتخابات الكويتية الاخيرة كمؤشر على وجود القبيلة في بقية الدول ، وهو الامر الذي ظهر جليا في العراق الذي اعتقد البعض – خطأ – ولوفترة ليست بالقصيرة ان القبيلة انتهت من العراق وهاهي اليوم هي المؤثر فيه.
و فيما يخص ذهاب اليمنيين بعيدا باتجاه انظمة قد لا تكون على وفاق مع انظمة المجلس فانه اذا كانت تخوفات اهل الخليج في هذا الجانب مفهومه فإن تصرفات اليمنيين يجب ان تكن اكثر تفهما ، فاذا كان الاخ القريب يرفض استقبال يدي التي تمتد إليه مصافحة ، فانني بلاشك سأخذ الاخ البعيد الذي يمد الي يده مصافحا بالاحضان.
اما فيما يخص قضية انتشار السلاح فيبدي اليمنيون تفهما كبيرا لهذا التخوف ، غير انهم يدعون الى التفريق بين امرين في هذه قضية الامر الاول هو الحيازه ، وهذا امر ليس حكرا على اليمن ، ومع ذلك فان النظام في اليمن يتخذا من الاجراءات الكثير في سبيل تنظيم حمل وحيازة السلاح ، وهو يدرس تجارب الدول الاخرى للاستفادة منها ، والامر الثاني هو المتاجرة بالسلاح ، وهذا هو الاهم والاخطر واليمن تحارب هذه الظاهرة بجدية وصرامه على ان جهودها لن تكلل بالنجاح مالم يكن هناك تعاون اقليمي كبير منظم .
اما في الجانب الامني فإن اليمنيين يؤكدون ان الامن مقلق لهم اكثر من غيرهم ، وهو بلاشك خطر يتعدى حدود المحلية ، لكن مالحل ؟ ويتسألون هل سيؤدي إقصاء اليمن الى القضاء على هذا التهديد ؟ وبالطبع فإن الإجابة على ذلك هي النفي .. فلابد إذا من الانفتاح على اليمن والتعاون معه ، والعمل بنظرية الاحتواء الذي تبناها الناتو والاتحاد الاوروبي مع دول اوروبا الشرقية.
خصوصا وان اليمن تبدي استعدادا دائما للتعاون في هذا الجانب وقد وقعت على اتفاقيات امنية مع دول المجلس وهناك تعاون امني كبير قائم ونتائجه أوضح من ان تٌغطى او يحاول البعض طمسها .وفي الجانب الاقتصادي يقر اليمنيون بتحلف اقتصادهم ، لكنهم يؤكدون ان تخلفه هذا يشكل فرصة حقيقية للاستثمارات الخليجية ، خصوصا وان تأهيله بحاجة الى استثمارات كبيرة ، كما ان الوفرة السكانية ، كما انها ستشكل عامل وفره عمالية وعماله رخيصه سيستفيد منها المستثمر الخليجي ، كما انها من جهة جهة اخرى تشكل سوقا استيعابية كبيرة للمنتجات الخليجية التي لاتجد منافذ أو أسوق كبيرة تستوعبها ، خاصة اذا ما اخذ في الاعتبار طبية اليمني الاستهلاكية.
أما ما يقال عن تخلف العماله اليمنية وانها عمالة غير ماهرة فإن الخبراء من اهل الخليج هم من يردون على هكذا تخوف ، مؤكدين على ان غالبية العمالة الوافد في الخليج هي عمالة غير ماهرة وتؤدي وظائف خدمية لاتحتاج الى مهارة اساسا وان احتاجت لمهارة فانها مهار عادية تتوفر في العامل اليمني وبالتالي يمكن ان تشكل – لامهارية - العامل اليمني ميزة تنافسية.واذا كان البعض في الخليج يتخوف من العبئ الاقتصادي الذي قد يفرضه انضمام اليمن للمجلس عليه فإن البعض في اليمن يرى ان انضمام اليمن للمجلس ليس ايجابيا لليمن ، وان اهل اليمن سيكونون اذا ما انضموا بحالتهم هذه هم فقراء المجلس وهذا عبء معنوي ونفسي لا يمكن لليمني ان يقبله لأنه لم يقبله عبر التاريخ .وفي الختام فإنه مهما كانت حدت التباينات في وجهات النظر فإن مناقشة هذا التباين بصراحه وشفافية أمر محمود وهو كفيل بتقريب وجهات النظر .