في الوقت الذي يعلن فيه الرئيس بوش عن استراتيجيته الجديدة الخاصة بالعراق وربما المنطقة عمومها بعد الفشل والكوارث التي تسببت بها قواته هناك فانه حرص أن لا يستشير احدا من المنطقة بمن فيهم زعماء العراق أنفسهم في بنود ونقاط هذه الاستراتيجية التي تعتمد أساسا على القوة العسكرية وحدها وهو منطق اثبت فشله تماما خلال السنوات الأربع الماضية.

ما يهمنا هنا ليس سياسة بوش تجاه العراق وإنما في تلك النظرة التي تحملها الولايات المتحدة تجاه المنطقة وشعوبها وزعمائها وتريد منهم اليوم أن يكونوا شرطة وعساكر لحماية جنودها في العراق وهي وبنفس الوقت لم تتحدث مع احد وتريد من الجميع التنفيذ فقط.

بالطبع ليس كل مصائب المنطقة معلقة على الشماعة الأميركية ففيها ما فيها من فساد اقتصادي وظلم اجتماعي وتسلط بعض الأنظمة على الشعوب ومحاربة أصحاب الفكر وقمع حرية التعبير لشعوب تلهث وراء لقمة العيش ويزداد الفقير فقرا والغني غنى مع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل من الشباب الذين يشكلون أغلبية في المجتمعات العربية الأمر الذي يدفع بهم نحو تبني أفكار الغلو والتطرف أو الانحراف.

لو سعت دول المنطقة إلى تكوين شخصية خاصة بها تراعي مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما هي الحال في العديد من الكيانات التي تشكلت أو تتشكل في العالم مثل دول الآسيان والاتحاد الأوروبي ودول أميركا الجنوبية لأحدثت فرقا ولو ظاهريا أمام العالم وليس المطلوب منها مثلا أن تتوحد كما هي الحال في أوروبا ولكن أن تتلاقي في الأفكار والمصالح كما هي حال دول الآسيان مثلا حتى لو كان جهدا مشتركا لمكافحة ذباب الفاكهة.

الكثير منا يكتب ويشير إلى العامل الأميركي أو الإسرائيلي المانع ضد هذه الطموحات وكأن الولايات المتحدة قدر لا فكاك منه بالنسبة للمنطقة فلننظر إلى دول أميركا الجنوبية التي كانت توصف في يوم ما بـ «جمهوريات الموز» أو الحديقة الخلفية لأميركا كيف أصبح حالها اليوم وكيف بدأ العملاق الأميركي يتقزم هناك شيئا فشيئا مع إدراك كثير من قيادات تلك الدول للسياسة الأميركية وكيف تعمل هناك.

إذن هي مسؤولية المنطقة دون غيرها ولا يصح جزافا ان نعلق مثلا الفساد السياسي ونهب وشفط الأموال والأداء الاقتصادي الضعيف وحتى نقص الملفوف والبطيخ من الأسواق على شماعة أميركا. وقد أثبتت التجارب ان بإمكان جميع دول العالم أن تكون سيدة قرارها بمعنى بقائها بعيدا عن التأثر بالأقوى.

وهنا نشير إلى كتابات مالك بن نبي حول «القابلية للاستعمار» عند حديثه عن استعمار الدول العظمى للدول الصغرى وكيف أن تلك الأخيرة تتوفر فيها عوامل الضعف وينخر فيها سوس الوهن قبل أن تستعمرها الدول الأخرى. هل نتذكر كيف طرد الشعب الإيراني رجل أميركا الأول في المنطقة آنذاك وهو الشاه عندما قرر ذلك؟ وهل نتذكر كيف تخلصت شعوب أخرى من طغاة جثموا لسنوات على صدور شعوبهم بعدما أذاقوهم العلقم لكن التغيير من الداخل يبقى هو الأكثر سلامة وإذا حدث من الخارج فالمخاطر قد تكون كارثية وحالة العراق تجربة تستحق الدراسة.

عندما قررت شعوب المنطقة مقاومة الاستعمار عندها فقط خرجت قوى الاحتلال وعندما تتوفر إرادة العزم عند دول المنطقة بشعوبها وزعمائها بان الوقت قد حان لبناء شخصية وكيان ذاتي قوي بعيد عن أي تأثير خارجي عندها لن تستطيع أي قوة منع ذلك أو التدخل فيه وهذا الحلم ليس للاستهلاك الإعلامي، وان كان طريقه ما زال طويلا والتجارب اكبر برهان. والأمر فقط مرض داخلي وليس تأثيرا خارجيا.

asmadi@albayan.ae