ربما يكون بلير المستقيل حديثاً قد أنجز الكثير وحقق نجاحات عدة خلال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من ثلاثة عشر عاماً وهي واحدة من أطول فترات الحكم في بريطانيا لكن العالم سيبقى يتذكر نقيصة واحدة لبلير غطت على كل نجاحاته وهي تبعيته المفرطة للرئيس جورج بوش التي توجها بكارثة احتلال العراق.

عندما دخل بلير إلى 10 دوانينج ستريت وكان اصغر رئيس للوزراء في تاريخ بريطانيا كان يتمتع بروح الشباب وبنوع خاص من الكاريزما فضلا عن انه أب لعائلة وهي مزايا أعطته الكثير في بدايات حكمه لكنه رهن حيويته وتألقه بالرئيس الأميركي جورج بوش حيث خاضا تلك المغامرة ألفاشلة في العراق التي يكتوي بنارها اليوم كل العراقيين ومعهم المنطقة بأسرها.

النهاية لم تكن كما يحلم بلير نفسه الذي عانى خلال الأيام الأخيرة من متاعب على جبهات عدة أبرزها متاعب مع الناخب البريطاني وأخرى مع أعضاء حزب العمال نفسه بسبب تبعيته لأميركا مما عرض بريطانيا لهجمات إرهابية في مترو وشوارع لندن وأخيرا الخسائر التي يتكبدها الجيش البريطاني يوميا في العراق وأفغانستان الأمر الذي اجبره على الاستقالة بعد فوزه بثلاث مرات في الانتخابات.

ما يحدث في العراق اليوم من كوارث ودماء تسيل بغزارة في كل شوارعه وفتن طائفية ونهب لخيراته ونفطه هو بالدرجة الأولى احد أكبر انجازات بلير الذي تحدى العالم وأصر على مرافقة بوش حتى النهاية في مغامراته بل ولعب في كثير من الأحيان كضابط للعلاقات العامة في تبرير أفعال وتصرفات ساكن البيت الأبيض الأمر الذي جعل منه مثارا للسخرية داخل شعبه وخارجه حتى ألف جورج مايكل أغنية في ذلك.

وبالفعل كان تحالف بلير وبوش هو المأساة بعينها كما قال جيمي كارتر وكان الوضع سيختلف لو اعترضت لندن بقيادة بلير على قرار بوش بغزو العراق الذي تخصص في الدفاع المقيت عن بوش حتى في مجزرة الفلوجة وهي بنفس الوقت لم يقدم شيئا جديدا للفلسطينيين وهم أكبر ضحايا الإمبراطورية البريطانية السابقة .

بلير وخلال سنوات حكمه دأب دوما على التحدث عن الخطر الإيراني وخطر امتلاكها للقنبلة النووية والخطر العراقي قبل احتلال العراق ولم يكلف نفسه يوما بالحديث عن معاناة 5 ملايين فلسطيني تسببت بلاده بحرمانهم من وطنهم وتشريدهم في اصقاع المعمورة ثم اضاف لذلك مأساة أكثر من 22 مليون عراقي ما زالوا يعانون فضلا عن تشريد أكثر من 5 ملايين آخرين والعجب ان بريطانيا كانت موجودة في الحالتين ألفلسطينية والعراقية.

الغريب في حالة بلير انه لم يكلف نفسه يوما بمحاولة التأثير على الرئيس جورج بوش او حتى انتقاده بالسر او العلن وكيف سيكون ذلك وهو شريكه وحليفه الوحيد في العالم بعد سقوط حلفاء اقل شأنا مثل ازنار رئيس الوزراء الاسباني السابق وبعض مستشاري بوش داخل الولايات المتحدة.

سبق «سقوط» بلير سقوط الكثير من رموز الاحتلال العراقي في أميركا وآخرهم احد عرابي الاحتلال الرئيسيين ونقصد به بول وولفيتز من رئاسة البنك الدولي إحدى المؤسسات التي تمسك الولايات المتحدة بخيوط التأثير فيها لكن ألفضيحة كانت قوية وليس كما زعم كاتب عربي دافع عن وولفيتز مؤخرا.

لن نقول ان رئاسة الحكومة البريطانية المقبلة ستكون اقل تبعية للولايات المتحدة ولكنها بالتأكيد ستنظر في النتائج الكارثية لحرب العراق والجثث وبؤر الدم التي تثير التقزز يوميا ولن يقوم رئيس وزراء بريطانيا المقبل بسحب قواته فورا من العراق لكنه مطالب بالتغيير وهناك الكثير من الضغوط الداخلية خصوصا والخارجية عليه مواجهتها وبوش نفسه يعيش اسوأ أيام حكمه والكابوس العراقي ما زال يلقي بظلاله على الإدارة الأميركية المتخمة بأفكار وشخصيات المحافظين الجدد.

واذا كان بلير قد ترك الساحة السياسية فإن الرئيس بوش يتبقى له سنة واحدة في الحكم وبالتأكيد فإن صورة الزعيمين ستبقى عالقة في اذهان الكثير من شعوب العالم خصوصاً الشعب العراقي الذي اكتوى بنيران الحرية والديمقراطية التي ارادها بوش ودعمها بلير بكل قوته ودافع عنها على حساب شخصيته وسمعته وخسر الكثير من رصيده المحلي والخارجي.