بعد خراب البصرة وبغداد والموصل وكربلاء أعلنت بريطانيا انسحابا ـ كما تقول هي ـ «منظم ومخطط له» سابقا وليس هزيمة كما يقول 52 بالمئة من الشعب البريطاني بعد ان دمرت مدن العراق وبعد أن فقد الشعب أمنه واستبيح عرضه وماله وشرد ربع سكانه وخربت أرضه الزراعية وقطعت أوصاله.

الانسحاب البريطاني غير المدبر من البصرة تزامن ربما مصادفة مع زيارة لم يعلن عنها كعادة الزيارات إلى العراق هذه الأيام للسيد جورج دبليو بوش صاحب الفضل الأول في دمار هذا البلد وسرقة نفطه وأمنه الذي أعلن هو الآخر عن خفض تدريجي للقوات الأميركية هناك ولا نعرف هل ستكون القوات النظامية أم تلك الميليشيات التي استأجرتها الدولة العظمى لتحارب إلى جانبها ووزعت الرشاوى عليها وكانت في الغالب منح الجنسية الأميركية.

من يشاهد الرئيس الأميركي وهو يتحدث هذه الأيام يدرك مدى الدمار الذي ألحقه أولا بسمعة أميركا في العالم وبالعراق ثانيا دمارا سيبقى في أذهان العالم طويلا لأنه كان دمارا شاملا بدءا من الإنسان وحتى الحيوان والشجر ناهيك عن عمليات النهب والسرقة التي ما زالت حتى اليوم ولن تنتهي بمبلغ الـ 8 مليارات دولار بالتواطؤ مع السفارة الأميركية عن طريق رئيس هيئة النزاهة.

عودة إلى بريطانيا التي يقال ان علاقاتها مع واشنطن شابها التوتر مؤخرا وهذا لا يعني خروجها من الظل الأميركي هذا التوتر قاد بريطانيا إلى الانسحاب من البصرة وسيكون له الأثر البعيد على ذلك التحالف الهش الذي حشدته أميركا لغزو العراق وسبق ذلك خروج اسباني والحبل على الجرار كما يقولون.

الانسحاب البريطاني وكثرة الحديث عن خفض للقوات الأميركية لن تقتصر آثاره على الهزيمة في العراق التي باتت قريبة بل ان سمعة أميركا ومركزها في العالم سيشهد انحسارا تدريجيا، وهي عملية لم تتم بين يوم وليلة وستأخذ مداها من الوقت وما خطط له وولفيتز ورامسفيلد سيذهب إدراج الرياح وهم يشاهدون تلك الهزيمة المدوية لأميركا وهي تشبه تلك الهزيمة التي تلقاها الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وكانت مسمارا من مسامير النعش الذي أعلن موت الاتحاد.

زخم التصريحات الأميركية عن العراق والتقارير التي تتحرك بين بغداد وواشنطن تكشف عمق الأزمة التي يعاني منها بوش وأركان حربه وليس إدارته لأن الحرب كانت هاجس الرجل طوال مدة رئاسته ولم يتوقف هو أو أي من مساعديه عن الحديث عن الحرب والدروع الصاروخية والحرب الوقائية والدراسات التي تتحدث عن إمكانية خوض أكثر من حرب في آن واحد رغم ان وهيج ذلك بدا يخفت حاليا مع الفشل في العراق وربما أفغانستان.

لن نقول ان أميركا ستنهار بين عشية وضحاها أو تتراجع بتلك الفوضى ولكنها حتما لن تبقى تلك الدولة الاخطبوطية التي تنتشر قواتها في أكثر من 30 دولة في العالم ولن تكون استثناء من تداول الأيام ومكر التاريخ كما وصفها احد المحللين والتراجع أو الانحسار الذي نتحدث عنه هنا سيأخذ أشكالا عدة قد يكون الانسحاب من العراق الفصل الأول فيه.

التقارير تتحدث عن توتر بين الدولتين وعزم براون على الخروج من تبعية أميركا التي حشر توني بلير بريطانيا فيها وحولها إلى وزارة أميركية للإعلام وإذا صدقت هذه التقارير فإن الهزيمة الأميركية في العراق ستكون مضاعفة لكن السؤال يبقى من سيحاسب أميركا بعد الهزيمة ومن سيتحمل كلفة الدمار الذي حدث في العراق وماذا سيقول التاريخ عمن حشد للاحتلال ومن نفخ فيه وهو سؤال يبقى معلقا حتى حين وان غداً لناظره قريب.