لدى تأمل الاتجاهات الجديدة في السياسة الأميركية تجاه أفغانستان، التي أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا، يبدو واضحا أن ما يجري على الساحة السياسية في واشنطن يفوق بكثير في وزنه تحليلات المواقف المحلية.

وكنت قد علقت الآمال على أن أوباما سيصارح الشعب الأميركي بأن الحرب في أفغانستان، لا يجري كسبها ولا يمكن الانتصار فيها في أي إطار عملي. وأوباما يتمتع بالذكاء والبصيرة اللذين يتيحان له إدراك هذه الحقيقة.

ولكن إذا كان الإقرار، مهما كانت دقته، سيعني التوقيع على وثيقة وفاة رئيس، فيمكن أن يصور على أنه انتزع الهزيمة من أنياب النصر.

إن الموقف الموضوعي في أفغانستان يظل فوضى عارمة، والتفاصيل معروفة ويقر كبار القادة بأننا لا نكسب قلوب وعقول الأفغان. وفي الحقيقة لن نستطيع ذلك أبدا، وبالتأكيد لن يتم ذلك بإشهار السلاح. ومعظم البشتون لن يقبلوا أبدا بخطة أميركية للمستقبل في أفغانستان. أما غير البشتون من الطاجيك والأوزبك والهزارة، فمن الطبيعي أنهم سيرحبون بأي دعم خارجي في غمار ما يعد بالفعل حربا أهلية.

وقد أهملت أميركا الاختيار بين الأطراف في هذه الحرب، حيث تنظر أعداد كبيرة من الأفغان إلى القوات الأميركية على أنها جيش احتلال، يتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين. وانتقل الصراع الآن إلى باكستان، مع وجود مخاطر أكبر.

وسياسات أوباما ستبدو حلا وسطا غير مرض وسط حجج متصارعة. فإرسال 30 ألف جندي أميركي إلى أفغانستان، هو أقل مما طالب به القادة، ولن يقلب اتجاه التيار إلى ما يناقضه. فهم يمثلون أهدافا أميركية جديدة يمكن الهجوم عليها، وسيفاقمون من كراهية الأجانب في قرى البشتون وبيوتهم.

ومن الحماقة إقناع الناس في مناطق البشتون بأن حركة طالبان هي العدو، وأن أميركا هي صديقهم. وأيا كانت المشاعر المتضاربة لدى البشتون حيال طالبان، فإنهم يعرفون أن طالبان ستظل القوة الأكثر أهمية في الحياة السياسية البشتونية، وأنها ستكون وسطهم بعد وقت طويل من شعور واشنطن بالسأم من مهمتها في أفغانستان.

وقد كانت الاستراتيجية الأميركية في عهد بوش الابن، تنظر إلى أفغانستان باعتبارها معقلا إمبرياليا في عالم ما بعد الحلم السوفييتي. حيث تدعم مئات من القواعد الأميركية عبر البحار، الهيمنة الأميركية العالمية، وتكبح جماح روسيا والصين. هذه الرؤية العالمية لم يعد لها وجود، ما عدا استمرارها لدى بعض المتعصبين لهذه الرؤية في أميركا، الذين لم يدركوا الحقائق الواقعية للعالم الجديد المطل اليوم.

ومن المحتم أن طالبان ستحتل مكانة بارزة في الحكم في أي مستقبل لأفغانستان، سواء شئنا أم أبينا. وقادة طالبان القادمون بعد تخلصهم من الاحتلال الأجنبي، لن يكون لديهم الحافز لدعم أي مشروعات من خارج بلادهم، بما في ذلك مناطق البشتون، طالما أنها ليست جزءا من رزمة استراتيجية غربية.

لقد أصبحت الولايات المتحدة أقرب إلى جزء من المشكلة، منها إلى جزء من الحل. فنحن نبعث بقوات، للدفاع عن قوات شكلت لطمة للوطنية الأفغانية. ومن شأن انسحاب أميركي شامل من أفغانستان، أن يمنع تفاقم المشكلة.

إن الأفغان أنفسهم، ينبغي أن يواجهوا الآليات المعقدة للصراع والتصالح الداخلي في بلادهم. وقد قاموا بذلك على امتداد فترات طويلة من تاريخهم. والنتيجة النهائية تحظى بأهمية استراتيجية بالغة، بالنسبة لباكستان وروسيا والصين والهند وإيران ودول أخرى في المنطقة، على نحو يفوق أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وكندا.

وفي خطوة مهمة لتحقيق التوازن مع هذه الزيادة في القوات الأميركية في أفغانستان، حدد أوباما بمزيد من الحكمة، موعدا لانسحاب حقيقي في عام ,2011. وبالتالي يقدم إخطارا لكابول بأن عليها أن تبدأ في حل مشكلاتها. وهذه الزيادة في القوات الأميركية يمكن أن تستحق القيام بها، إذا مكنت أوباما من أن يقدم للعسكريين الأميركيين ولكابول، إخطارا بأن الوقت ينفد سريعا بالنسبة لتحقيق تقدم سياسي وعسكري حقيقي، وهو ما يعكس الإنذار الذي كان الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف قد قدمه للجيش الأحمر في أفغانستان، عندما وصل إلى السلطة.

وهكذا يستمر الصراع القبيح، من دون أن تبدو في الأفق إمكانية تحقيق تحسن ملموس.. فليست هناك خيارات جيدة، وكل ما فعله الرئيس أوباما، هو أنه ربما قد دفع بالمشكلة قدما على الطريق إلى موضع أسوأ، في الداخل والخارج في العام المقبل.

والحظ وحده هو الذي يمكن أن يجعل هدفه الحقيقي هو التوصل إلى شروط مقبولة لانسحاب أميركي، يطل في الأفق ويقدم ورقة توت صغيرة، لإخفاء ما يعد في جوهره فشلا استراتيجيا أميركيا كامنا في هذا الموقف، منذ بداية الرد الأميركي العسكري العالمي على تحدي الحادي عشر من سبتمبر.

النائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات القومي الأميركي

opinion@albayan.ae