هل بروز الحوثيين بهذا الشكل والقوة إلى سطح الأحداث يشكل حقا ظاهرة ملفتة، أم انه أمر طارئ سرعان ما يتلاشى بفعل تضافر عوامل الزمن والسياسة من قوة الدولة كمؤسسة تمتلك إمكانات أكثر من التمرد؟ وهل أن تشكل تيار شعبي ورسمي في اليمن أو على صعيد الإقليم، سوف يحاصر أهداف وفكرة الحوثيين كجماعة سياسية أيديولوجية تستخدم القوة المسلحة في نزاعها مع الدولة؟

إن الإجابة عن هذين التساؤلين لا يمكن المتتبع للعوامل التي شاركت في تشكل ظاهرة الحوثي، أن يفصلها عن ظروف وطريقة نشوء حركات سياسية في بلدان أخرى رفعت شعارات جذابة، وفرت لها غطاء سياسيا وأمنيا لحمايتها من قسوة عامل الجغرافيا الذي يعمل ضدها، على العكس من الحوثيين الذين تمترسوا منذ البداية في قمم ووهاد جبال صعدة، واستفادوا بشكل كبير وأساسي من وعورة المنطقة وصعوبة التنقل فيها، مما أسهم في منحهم مزايا قوة في الميدان عندما شرعوا في مجابتهم العسكرية للقوات الحكومية.

لكن الشيء الملفت في الحرب الدائرة في شمال اليمن، هو امتداد رقعة النزاع إلى دولة عربية مجاورة هي المملكة العربية السعودية، والتي طبعت سياستها الخارجية والإقليمية خلال العقود الماضية بسمة المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة والإقليم.

بيد أن سؤالا جوهريا لا بد وان تطرحه المعارك الدائرة هناك، عن مدى قوة الحوثيين وقدرتهم على فتح جبهتين مع دولتين في آن معا، مع ما يترتب على ذلك من معرفة واضحة بحجم الإمكانات المتاحة للسعودية، خصوصا وهي قدرات اقتصادية وبشرية غاية في الأهمية، يضاف إليها ما تتمتع به من ثقل سياسي في الخليج والإقليم ككل، ناهيك عن تحالفات وعلاقات دولية مع قوى عالمية كبرى.

وهذا الإدراك هو ما يفسر الدعم الذي يوفر لهذه الحركة المتمردة كل عناصر الاسناد اللوجستي والمادي، ليضمن لها البقاء والاستمرارية في حالة الصراع الدامي، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذا التمرد الذي لا يعبر عن مطامح انفصالية لجماعة عرقية أو إثنية؟

فالحوثيون قبل ان يتحولوا إلى المذهب الاثنا عشري، ينتمون أصلا إلى المذهب الزيدي الذي تعايش عبر القرون بسلام ومحبة مع المذهب الشافعي في اليمن، دون أن ينبئنا التاريخ عن وقوع أي حالة احتكاك أو صراع بين أبناء اليمن على أساس مذهبي.

لكن قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق أهدافها، باستخدام سياسة الجزر المتناثرة أو ما يمكن تسميته بالتغذية المستمرة لبؤر الصراع المختارة بعناية، لتوظيفها بما يخدم استراتيجياتها العليا. ومن هنا جاءت ظاهرة الحوثيين الخطرة على استقرار المنطقة بشكل عام، والتي ما إن تخرج من حرب مدمرة حتى تدخل في حرب أو نزاع آخر، وهي ـ أي المنطقة ـ مثلما هو معروف، حيوية وحساسة وشهية للقوى الكبرى وللقوى الإقليمية.

إننا نقف أمام تسلسل خطر من تعاقب مثل هذه الظواهر في منطقتنا العربية حصرا، وهي ظواهر تنمو وتكبر بحسب المناخ السائد، وتأخذ شكلها العسكري أو السياسي بحسب ما تمنحه الجغرافيا من مزايا وما يهبه الواقع الاجتماعي والثقافي من تعقيدات في كل دولة عربية.. إن ظاهرة الحوثيين، ومع اتساع رقعة النزاع وارتفاع حدة المواجهة، وما تحصل عليه الحكومة اليمنية من دعم سياسي واقتصادي من الإقليم ومن تأييد ومساندة لافتة من الدول الكبرى، سوف تتلاشى في القريب العاجل بفعل ضربات الجيش اليمني وتغيير تكتيكاته العسكرية، وبما يتلاءم ونوعية الصراع الدائر على أساس جيش نظامي يحارب قوة متمردة تعتمد على حرب العصابات.

كما أن الحوثيين لا يحظون بحاضنة شعبية او سياسية في اليمن. هذه جميعها عوامل سوف تسهم في خنق وتلاشي هذه الحركة، لكن المؤكد في ضوء التجارب السابقة، أن الحوثيين لن يقضى عليهم كمنهج وحركة، ما لم تنهض القوى السياسية والأحزاب اليمنية ومعها منظمات المجتمع المدني، لإرساء نواة حقيقية لمشروع وطني جامع يرسخ الثوابت ويعمق التلاحم، ويوسع مساحة المشاركة السياسية في الحكم.

وهذه من مسلمات الاشياء، إذ انه في ظل الأزمات والتحديات تبتكر الشعوب الحضارية والحية أساليب ووسائل تساعد على التجدد والتطور، ولا شك أن الشعب اليمني الأصيل ساهم في العطاء الإنساني والحضاري في كل تاريخنا العربي، الذي هو في الحقيقة يبدأ من اليمن ولن ينتهي إلا في اليمن.

كاتب عراقي

Al.dulaimi@hotmail.com