كشفت طريقة وأسلوب مجابهة تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب دولة هاييتي المنكوبة، عن قصور واضح في عدم امتلاك العالم لآليات أو استراتيجيات منسقة، تتبعها دول العالم عند وقوع كوارث طبيعية كالزلازل أو الفيضانات المدمرة.

فالعمل الإنساني يرتكز أصلا على فكرة واحدة، هي مساهمة كل دولة على حدة بما تراه مناسبا للتخفيف من النتائج المترتبة على هذه الكوارث، مع غياب تام لأية هيئة أو مؤسسة دولية تمتلك من الوسائل والإمكانات ما يجعلها تتحرك بشكل فوري ومنظم، يتوافق مع خصوصية كل حالة، وبما يجعل عامل الوقت يسير لصالح ضحايا هذه الكوارث بالعمل العاجل على إنقاذ الأرواح أولا، ومن ثم إغاثة المتضررين وتخفيف آلام المنكوبين.

لكننا في الواقع لم نشاهد إلا جهودا متناثرة وغير منسقة، هي عبارة عن فرق تنقيب عن الناجين تصل تباعا، ولا أحد يعرف شيئا عن إمكاناتها أو الفترة اللازمة لوصولها إلى موقع الحدث، ناهيك عن الإرباك الناتج عن ضعف تنظيم عملية وصول الدعم اللوجستي والغذائي.

وهذا ما تجسد بشكل صارخ وشكت منه الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية وفرق الاغاثة، التي هرعت الى هاييتي. فقد لقيت صعوبة كبيرة في الحصول على أذونات الهبوط في المطار الوحيد في العاصمة، وتحديد الجهات التي تتولى عملية تنسيق جهود الإغاثة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب.

كما أن الافتقار الى المعلومات والبيانات التي من شأنها أن تساعد على تحديد الحاجات الملحة، سواء كانت غوثا طبيا ام غذائيا ام حماية للأمن والسلم الأهلي، يعد مشكلة متكررة، وهو ما لوحظ بسهولة عندما اختفت مؤسسات السلطة في هاييتي بسبب تدمير كل بنية الدولة والحكومة.. وهذه حالة لم تحصل مطلقا في كوارث سابقة.

حيث لمس المراقبون وسط الحيرة والدهشة، أنه لا وجود لسلطة وطنية أو مؤسسة في هاييتي، لتباشر عملية تنسيق وصول المساعدات المختلفة، مما أثار لغطا شديدا حول الطريقة التي انتهجتها الولايات المتحدة، حينما تولت مسؤولية حفظ الامن في العاصمة والمطار في هذا البلد المفجوع.

فإذا كان الإنسان يجد نفسه ضعيفا ومنكسرا، وربما عاجزا ووحيدا أمام الكوارث والنوازل التي تحل به، فإن المسؤولية هنا تكون مضاعفة على الدول والهيئات الإنسانية، في كيفية وسرعة إيصال مواد الاغاثة العاجلة وتنظيم عمليات الانقاذ، وفقا لمعطيات وبيانات مسبقة ينبغي أن تتوفر عن كل دولة لدى هيئة أو منظمة دولية مختصة، تتولى عملية تنسيق وتبادل معلومات الطوارئ عن البلدان.

بما يضمن توفر قاعدة معلومات دقيقة عن طرق الملاحة والوسائل المتوفرة في كل دولة ومدى ملاءمتها، والامكانات الطبية والوقائية عند انتشار الامراض والأوبئة الناتجة عن الكارثة.

وقد عزا جون هولمز وكيل الامين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أسباب تأخر إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في هاييتي، إلى جوانب لوجستية منها انعدام القدرة على نقل المساعدات، وعدم توفر قوافل الحماية اللازمة لها.

كما أن طرق إيصال المساعدات في بعض الحالات عبر إلقائها من الجو بواسطة الطائرات، ليس الوسيلة الأمثل لتوزيع المساعدات بشكل عادل، لأنها قد لا تصل بالضرورة للمحتاجين اليها فعلياً، كما أنها تؤدي إلى أعمال شغب.

والسؤال الجوهري هنا، على خلفية مأساة هاييتي؛ ماذا لو أن الدول لأسباب عديدة قد تأخرت أو تقاعست في مد يد العون والمساعدة بسبب نقص المعلومات أو صعوبة وسائل الاتصال؟ وكيف ستكون النتيجة على السكان المدنيين المنكوبين؟

وما هي حدود مسؤولية الدول والمؤسسات الإنسانية في مثل هذه الحالات القاسية التي تضع الإنسان أمام واجباته الأخلاقية والدينية في السعي إلى نجدة بني جلدته في أي مكان؟!

إن الأمر خطير جدا ويؤشر إلى ضرورة وجود مؤسسة دولية تتوفر لها كل وسائل العمل الجاد، وتمتلك إمكانيات وقدرات بشرية مدربة، من فرق إنقاذ وأموال وتجهيزات ومخازن غذاء، موزعة بشكل جغرافي يسهل سرعة نقلها ووصولها للمحتاجين إليها في الوقت المناسب، فربما دقائق أو ساعات تأخير معدودة قد تكون سببا في عدم التمكن من إنقاذ حياة إنسان أو مجموعة من البشر.

لقد أرسلت كارثة هاييتي رسالة عاجلة إلى المجتمع الدولي، بأن هناك حاجة ماسة إلى آليات عمل منسقة ووسائل إنقاذ ودعم إسعافي، وغوث عاجل يرتكز إلى عمل مؤسسي، قائم على خطة مسبقة تستند الى قاعدة معلومات دقيقة، مع توفر موارد مالية ومخزونات إغاثية عاجلة، تمنح المتضررين، على الأقل، أملا بنجاة وحياة جديدة.

صحيح أن العالم يتعاطف ويهب في مثل هذه الحالات، لكن التنسيق وضمان وصول جهود المساعدة والإغاثة للسكان، يظل أمراً بالغ الأهمية، ويجب أن تقوم به هيئة دولية متخصصة تستطيع تلبية الاحتياجات الملحة للأفراد المفجوعين بالكوارث، ممن يجدون أنفسهم في لحظة ما لا حول لهم ولا قوة، إلا من رحمة الله العلي القدير ومن يهب مسرعا لإغاثتهم وتضميد جراحاتهم.

كاتب عراقي

Al.dulaimi@hotmail.com