أتصفح مجلة أجنبية، أبحث عن خبر غير مكرر عن الحقائق بعيون مختلفة، وأجدها حاضرة في أغلب الصحف والمجلات، وأتساءل عن سر هذه المدينة الصغيرة الكبيرة؟!
ينقذني المترو من ازدحام مفاجئ، وأجد نفسي في الموعد المحدد لاجتماعي، ويزيد إيماني بمدينة الحلول المبتكرة.
قد نختلف في تعريف النجاح والإنجاز، لكننا جميعاً سنتفق على الكم الهائل من الخيارات والخدمات التي توفرها هذه المدينة للفرد والجماعة في جميع المجالات، ونتفق بما لا شك فيه أن العقلية أو المنهجية الإدارية الحديثة التي تدار بها المدينة، صَنَعَت الفرق في تميزها إقليمياً، وجعلها تقود كثيراً من التغيرات الإيجابية في المنطقة بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
انتبه الإعلام الغربي وبصورة دقيقة لمعطيات التطور والتنمية التي تتميز بها هذه المدينة، وركز غالباً على الواقع في تعاطيه مع المعلومات، وطريقة إبرازها للقارئ كانت محايدة أحياناً وغاضبة أحياناً. ورغم تصنيفه للتجربة على أنها قصة نجاح، إلا أنه كان قاسياً في التعامل مع الأخبار السلبية الواردة من المنطقة.
ورغم التناقض الواضح ما بين الدفاع والهجوم في الإعلام الغربي، لاتزال هذه المدينة متفردة بشكل لا يخلو من الإعجاب، ومازالت بصورة متكررة في قلب الأحداث. لكن ما يهمنا الآن، كما يقول محدثي، هو كيفية التعامل مع الأحداث.
هل للمدن طريقة تدافع بها عن منجزاتها؟ أتساءل وأنا أرى الفجوة ما بين المنجَز وطريقة التعامل مع الأحداث والأزمات، ودور الخطاب الإعلامي الذكي في التركيز على مكامن القوة، وعدم الانجرار إلى حفرة الدفاع عن نقاط الضعف.
عندما تمر بأزمة يكون المحامي السيئ آخر شيء تحتاجه المدينة لتدافع به عن نفسها، وكل ما على الإعلام فعله وبهدوء أن يجعل المدينة أو المنجَز يتولى عملية الدفاع بطريقة حديثة، حيث إن كثيراً من الانتقادات والملاحظات لا تستحق الرد أصلاً، فما بالك إذا كان الدفاع سيئاً!
في نظرة سريعة للإعلام، نجد أن أغلب الأخبار الإيجابية في المنطقة تأتي من هنا، وقليلة هي المدن التي تحمل أكثر من قصة نجاح كما في تجربتنا. وخلال أزمة مالية عنيفة ضربت العالم والمنطقة وتأثر بها الجميع مع بعض الاستثناءات، وأَخفَى البعض جروحه، وفي ذروة الأزمة تكون الأنباء السيئة على الصفحات الأولى.
ودائماً هناك الأخبار الإيجابية في بقية الصفحات، في تناقض عجيب، ومؤشر صحيح على أن عجلة الحياة والتقدم تسير قدماً إذا توافرت الإرادة القوية، وأن أهل هذه المدينة يعيشون الإنجازات رغم الأزمات.
في منطقة تعج بالأحداث المتقلبة سياسياً وبصفة يومية، وتتأرجح شعوبها ما بين الغنى والفقر اقتصادياً، ويتصدر هم التركيبة السكانية والبطالة التي تعاني منها شعوب المنطقة اجتماعياً، تبرز الحاجة داخلياً لخطاب إعلامي منسق وموحد، فالإعلام حاضراً ومستقبلاً هو أم المعارك.
وفي نظري هو المعركة الكبرى في سباق التنمية والتطور لأي تجربة أو مدينة تطمح للنجاح، وهو حالياً في مدينتنا الحلقة الأضعف رغم قوة المنجَز. وفي مدينتنا يثير الإنجاز بحد ذاته حفيظة البعض، وفي منطقة لم تتعود على سرعة الأداء والإنجاز.
أقول لمحدثي؛ كيف يتناغم أكثر من 150 ثقافة ولغة مختلفة في مدينة واحدة؟ فيقول مبتسماً: الفضل يعود لكاميرات المراقبة!
يقول علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا إن المستقبل للدول ذات التعددية الثقافية والاجتماعية، ورغم التحفظ الذي تبديه مجتمعاتنا على مصطلح التعددية الثقافية، وغلبة الهاجس السياسي والاقتصادي على الموضوع، يبرز الهاجس الأمني في المدن المفتوحة لجميع الجنسيات، حيث تصبح السيطرة على الآثار السلبية الناجمة عنها من الصعوبة بمكان.
وفي مدينتنا حينما يحاول البعض العبث بالتقدم والحضارة من خلال المساس بالأمن، فإنهم يجابَهون بنفس الآلية والأسلوب، لأن لهذه المدينة قدرة على فهم المستقبل بطريقة أسرع من الآخرين.
لهذا نعترف الآن بأننا منك نغار، لأننا لسنا مثلك! ولأننا لم نفتح ملفات الفساد بجدية، ومازلنا نتستر على من يفسدون، وقوانيننا لا تعرف التعامل مع الفساد المالي والإداري. ولأننا لم نعرف الشفافية قط، ومدننا ومؤسساتنا «المديونة» لاتزال تدار بعقلية قديمة.
نعترف الآن بأن مدننا المزدحمة مازالت غير نظيفة، رغم أن النظافة دين وحضارة، وإلى الآن لم نقدم حلولًا عملية لمشكلات الازدحام.لأنك أخذت وقتاً قصيراً لتبني الكثير.. نغار لأنك المدينة الصغيرة.. ولم نتوقع أن تكوني يوماً مدينة كبيرة.
كاتب إماراتي