لا يمكن أن تصنف عملية الموساد الأخيرة في دبي على أنها نجاح، بعد أن نجحت دبي في الكشف عن معظم خطوط هذه العملية، مع بقاء مفاجآت أخرى ستعلن عنها دبي، ولن تكون في مصلحة الجهة التي خططت ونفذت هذه العملية، التي أقل ما يقال عنها إنها تعبير عن الصلف والغرور اللذين تعاني منهما العقلية الإسرائيلية، والتي تستند إلى دعم غربي بلا حدود، يجعل منها الطفل المدلل الذي لا يخشى العواقب، رغم بوادر التحرك البريطاني الايرلندي لحماية مواطنيهما.

تأكيد دبي أن جعبتها ما زالت تحمل مزيداً من المفاجآت يكشف عن حرفية مهنية، وشفافية عالية، عز نظيرهما في منطقتنا العربية؛ ذلك أن عملية تجميع الخيوط وتفكيك الغموض لم تسندها فقط أكثر من 800 كاميرا في مطار دبي، بل أيضاً في الدقة والعمل الدءوب الذي ينطلق من المحافظة على سمعة مدينة قامت على الأمنين الاقتصادي والاجتماعي.

وهذه الكاميرات ليست موجهة لمراقبة الأشخاص، ولا يمكن أن تشعر في دبي بأن أحداً يراقبك بها، بل هي للأمن وحفظ النظام أولًا وأخيراً، ويتم استدعاء الأشرطة فقط عند ظهور ما يهدد أمن المجتمع، كما هي الحال في هذه الجريمة «الجبانة»، كما وصفها قائد عام شرطة دبي.

إسرائيل تستعد الآن لمواجهة أزمة دبلوماسية، حيث بدأت الدول التي زورت جوازات سفر مواطنيها بإجراءات لحماية مواطنيها، على الأقل من تهم خطيرة قد يواجهونها عند سفرهم إلى الخارج، على الرغم من أنني على يقين بأن إسرائيل أقدمت على هذا التصرف الطائش وهي تدرك أنها ستبقى في مأمن من العقوبات الدولية، ومن إجراءات دبلوماسية شديدة، مستندة في ذلك إلى تاريخ من العمليات المماثلة، حيث تغاضت دول كثيرة في العالم عن حقوق أساسية إرضاء لإسرائيل، فالعالم يسكت عنها وهي تدمر شعباً أعزل، وتحتل أرضه، فكيف باغتيال شخص واحد!.

الفشل الجديد للموساد الإسرائيلي بعد فشل أكبر في العاصمة الأردنية عمان، والنجاحات التي حققها حزب الله في حربه الاستخبارية ضد الجيش الإسرائيلي، تكشف مزيداً من الوهن في مفاصل هذا الجهاز ودولته التي قامت على الظلم، ذلك أن وعي شعوب المنطقة يأخذ مساراً صعودياً تجاه الأحداث التي تحيط به، وبالتالي فإن أسطورة الموساد والجيش الإسرائيلي من قبله لم تعد ترهب أحداً.

الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بمعالجة الخلل في أنظمتها الإدارية، والكشف عن كيفية استخدام وتزوير جوازات سفر مواطنيها الذين يدخلون دبي دون تأشيرة، وعليها أن تقتدي بدبي في التعامل بشفافية مع هذه القضية، وأن توضح ماهية هذا الاختراق، وكيف حصل؟، والأشخاص الذين يقفون وراء ذلك، خصوصاً أن حياة ومصالح مواطنيها على المحك حالياً بعد صدور مذكرات دولية من قبل دبي للقبض على الجناة.

ويبقى على إسرائيل أن تدرك، وأشك في ذلك، أن معطيات الأمور تغيرت منذ زمن، وهي لم تعد وحدها تملك التقنيات العالية.

ولن نناقشها حول الدبلوماسية، لأنها أصلًا لا تتعامل مع هكذا قضايا، ولم تحسب يوماً حساباً حتى لأصدقائها، وخير شاهد في ذلك جوناثان بولارد، الذي تجسس على أقرب دولة لإسرائيل وهي الولايات المتحدة، ثم قيام نتنياهو بعد ذلك بإرسال جواسيسه لاغتيال خالد مشعل في عمان، رغم العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع الأردن.

وجميعها تؤكد أن إسرائيل لا تريد أن تتعلم، أو أنها تعلم ولكنها واثقة من غياب العقاب، بدليل أنها تكرر فعلتها أكثر من مرة، وبالطريقة نفسها، والجميع يعلم طبيعة الأزمة التي حدثت في الثمانينات بينها وبين بريطانيا، وبينها وبين كندا ونيوزلندا.

osmadi@albayan.ae