ساذج فعلاً من يظن بأن الإعلان عن مشروعات استيطانية جديدة في القدس المحتلة جاء خبط عشواء، وعن غير سابق تخطيط من الإدارة الإسرائيلية.

خبرتنا نحن العرب مع إسرائيل تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الإعلان الإسرائيلي الذي ترافق مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي قصد منه ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، لعل أولها التأكيد للعرب أن الوقت لم يحن بعد للحديث عن خشية إسرائيلية من الولايات المتحدة، وعلينا أن نضع أيدينا وأرجلنا بمياه ساخنة حيال هذه القضية.

أما العصفور الآخر الذي ضربته إسرائيل بهذا الإعلان فهو التهديد الذي أطلقته السلطة بعدم التفاوض تحت ظل الاستيطان، وهو تهديد مضحك للغاية؛ حيث يتم التراجع عنه في كل مرة.

ولعل الأمر الأكثر سخرية ومدعاة للضحك هو الحديث عن أزمة دبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة، وتلمظ العرب للاستفادة من هذه الأزمة الخطيرة.

وليست بخطيرة، فهي عتب من الوالد تجاه ولده، ولم تتوافر بعد مقومات حتى أزمة صغيرة بين كلا الصديقتين، لأن العم سام يمكنه أن يضرب بعرض الحائط كل صداقات العرب، وحتى العجم، من أجل عيون الغالية إسرائيل، حتى لو تعرضت مصالحه مع العرب لخطر، وإن كان هذا الخطر ما يزال في عداد الأماني.

ولنعد إلى الإعلان الإسرائيلي الذي جاء هذه المرة مقصوداً في توقيته مع زيارة بايدن، مقصوداً في حجمه بعدد الوحدات السكنية، مقصوداً في مكانه.

وهو القدس، فلماذا يشكل نتنياهو لجنة للبحث في توقيت الإعلان، وهل هي غريبة على إسرائيل إحراج أصدقائها والتعامل معهم بوقاحة وصلف منقطع النظير، بل وحتى التجسس عليهم وتجاهل كل الأعراف الدبلوماسية كما حدث مع الأردن في 1997، ومع الولايات المتحدة في قضية التجسس الشهيرة؟!.

نستغرب اليوم، وبعد مرور هذه الأعوام الطويلة، كيف أن العالم ما يزال يجهل طبيعة إسرائيل، وكيف تتعامل هذه الدولة مع جيرانها وأصدقائها أياً كانوا، ذلك أن تاريخها الطويل أكبر شاهد على ذلك، فكيف تستغرب الولايات المتحدة هذا التصرف الذي كما تقول أحرج الولايات المتحدة وأحرج نائب الرئيس أمام ما تسميهم الأصدقاء العرب المتشبثين بطوق المبادرة العربية التي لفظتها إسرائيل من أول يوم؟.

كان ديدن إسرائيل الأبدي هو التملص من كل عهد أو التزام، وتوجيه بوصلة أي مفاوضات أو تحرك سلام في المنطقة إلى وجهات لا علاقة لها بالعملية من أساسها، وهي تراهن على تفاصيل التفاصيل والزمن، وتتفرع في البنود حتى يجد المفاوض نفسه خارج إطار المفاوضات، وهي تقوم بأعمال من شأنها تفريغ محتويات هذه الاتفاقيات من مضمونها، ثم القيام بحركة لم يتوقعها أحد.

كما حدث مع زيارة جو بايدن المشؤومة للمنطقة، الأمر الذي يدعونا إلى أن نقوم برجاء خاص إلى نائب الرئيس؛ أن عد من حيث أتيت، فالزيارة نذير شؤم، وأنت لا تملك بعد مفتاح التغيير.

ولا حتى إدارتك، التي يقال إنها استشاطت غضباً بسبب التصرف الإسرائيلي، لكن هذا الغضب يبقى دون فعل، ولن يحرك ساكناً في المنطقة المطالبة بالاعتماد على نفسها أكثر، وتبني استراتيجية الممانعة، وعدم اللهاث وراء سراب المفاوضات على الطريقة الإسرائيلية.

asmadi@albayan.ae