بركان يثور في بقعة نائية في أقصى شمال أوروبا ويتسبب بإلغاء أكثر من 95 ألف رحلة طيران، وإلغاء سفر أكثر من 7 ملايين مسافر فضلا عن خسائر يومية مباشرة لصناعة الطيران المنهكة بالأزمات تقدر بـ 200 مليون دولار يوميا فضلا عن الخسائر غير المباشرة برهان آخر واضح على قروية العالم إن صحت التسمية أو على تأثير العولمة وبأن العالم اليوم بات فعلا قرية صغيرة يؤثر فيها حدث صغير ويتسبب بكل هذه الفوضى التي لم تقتصر على أوروبا بل تعدت إلى العالم اجمع.

ولا اعرف لماذا تذكرني سحابة الرماد البركاني في أيسلندا بقضية ديون دبي العالمية التي ما أن أعلنت عن نيتها تأجيل سداد الديون حتى احمرت الأسواق المالية في الولايات المتحدة وأوروبا وتبنت مسارا نزوليا لعدة أيام تماما كما حدث عندما انهار بنك ليمان براذرز وتسبب بفوضى اقتصادية جعلت العالم يقف على رؤوس أصابعه وبعضهم تمنى لو لم يسمع يوما بشيء عن العولمة.

هو إذا عالم صغير بسكانه الـ 6 مليارات شخص وهنا مكمن الخطورة في قضية العولمة إذ ان حدثا صغيرا قد يتسبب بكوارث على البشرية جمعاء والشواهد حية أمام البشر.

يمكن أن نتفهم ونلتمس الأعذار إذا كان الأمر يتعلق بكارثة طبيعية أو حدث يفوق قدرة البشر لكن أن يظهر الفساد في البر بما كسبت أيدي الناس فهذا أمر يسترعي انتباه البشرية ويتوجب عليها مقاومته حفاظا على 6 مليارات من البشر يتقاسمون العيش، فضلا عن الحيوانات والشجر والأحياء الأخرى.

ربما يفهم البعض أن العولمة طريقة للكسب التجاري فقط وتحقيق مصالح آنية على حساب الآخرين والدول الكبرى مطالبة بان تدرك أن القضية اكبر من ذلك وأنها عندما تحاول أن تروج للعولمة فعليها أن تعي مصالح الآخرين أيضا، وقد رأينا كثيرا من المظاهر المؤلمة لما يسمى بالعولمة جاءت من تلك الدول التي تبنتها وروجت لها خصوصا عندما نتذكر الأزمة الاقتصادية وإغلاق الحدود أمام العمالة من الدول النامية، رغم إصرار تلك الدول على فتح أسواق العالم أمام منتجاتها .

وهو أمر لا يستقيم، كما أن الكيل بمكيالين والتعامل بمبدأ الازدواجية مرفوض تماما ليس فقط في القضايا السياسية ولكن في الاقتصاد أيضا.

حيث ألحقت ممارسات وتصرفات عرابي العولمة أذى كبيرا بالعالم حين نتذكر أن الأزمة الاقتصادية في العالم كانت نتاج الجشع والطمع في النظام الرأسمالي والبحث عن الأرباح بأي وسيلة كانت، والنتيجة أن السحر انقلب على الساحر وباتت الدول المتقدمة اقتصاديا تستجدي دول النفط لضخ المال والاستثمار في مشهد مسرحي ساخر للعولمة وآثارها المؤلمة.

سحابة بركان أيسلندا وما سببته من فوضى وخسائر درس يتوجب استيعابه من الجميع حتى يمكن التخفيف من المخالب الحادة للعولمة وتطويعها لخدمة الإنسان لا لدماره، والعالم يحتاج أكثر إلى الحكمة وقد شاهد الجميع كيف ضرب بركان أيسلندا تلك الدول البعيدة عنها، وقد توقفت الرحلات والسياحة من والى أوروبا فكيف لو حدث أمر اكبر من ذلك.

العولمة جيدة لكن علينا أن نتذكر تلك الأسنان المؤلمة لها خصوصا إذا تعلق الأمر بحياة البشر وقوتهم اليومي فحتى البراكين لها مظاهر عولمة تؤثر في حياة الناس وعلينا أن نتصور باقي مظاهر العولمة التي من صنع البشر.

asmadi@albayan.ae