بقدر ما خلصت التطورات الأخيرة في قيرغيزيا، البلاد من جور حاكم تخلى عن كل وعوده، ومارس كل ما ثار عليه في السابق واتهم أسلافه بممارسته، بقدر ما لفتت الأنظار إلى المصالح الدولية المتشابكة في هذا البلد، الذي يسكنه 5,5 ملايين نسمة، ويعاني مثل غيره من البلدان الإسلامية مظالم عديدة ليس هذا مجال الحديث عنها.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة في بشكيك حجم التشابك الكبير في المصالح الدولية هناك، فقيرغيزيا كما هو معلوم هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتضن قاعدة عسكرية روسية في «قانت»، وأخرى أميركية في «ماناس»، وفوق هذا وذاك فقيرغيزيا تجاور إقليم (زينجيانج) الصيني الذي يمثل مصدر قلق لبكين لأسباب عديدة.
ومن دون شك فان التطورات الأخيرة قد حركت المياه التي كانت شبه آسنة في الحسابات الإقليمية لكل من الصين وروسيا والولايات المتحد، حيث يعتقد العديد من الخبراء أن ما حدث في بشكيك لم يكن مجرد حدثا داخليا، بل كان لروسيا دورا خفيا فيه، بدليل أن رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، كان أول من بادر بالاعتراف بالنظام الجديد في بشكيك، بل وعرض تقديم مختلف أشكال الدعم، وظهرت بعض التسريبات في بشكيك عن تعهد روسي بتقديم مائة مليون دولار كمساعدات عاجلة.
وبدون أدني شك فان ما حدث في قيرغيزيا سيكون له تداعيات سياسية دولية كبيرة؛ فالأمريكان ينظرون بقلق بالغ إلى ما يمكن أن تقوم به موسكو، ويخشون أن تضغط على النظام الجديد من أجل عدم تجديد عقد إيجار قاعدة (ماناس) الأميركية الذي ينتهي في يونيو المقبل.
وهي القاعدة المحورية بالنسبة لعملياتهم في أفغانستان، حيث ينقلون عبرها 50 ألف جندي ناهيك عن المعدات العسكرية من والى أفغانستان.
أما الروس فان وجود القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة ظل على الدوام أمرا مقلقا لهم، وغير مرحب به، وعبرت موسكو عن ذلك صراحة في أكثر من مناسبة، ولذلك فإنها بلا شك سعيدة بما حدث في بشكيك، كسعادتها بما حدث في كييف من قبل، ولاشك أنها تنتظر أن يحدث شيء مماثل في تبليسي.
وبالمقابل فان الصين تنظر إلى ما جرى في قيرغيزيا بعين الريبة والتوجس، فإقليم زينجيانج، الذي كان مسرحاً لصدامات عرقية متقطّعة كانت الأقلية المسلمة في إقليم «يوجور» طرفاً فيها، متاخم للحدود القيرغيزية، وقد يغري هذا سكان (يوجور) اتخاذ الحدود مع قيرغيزيا كملاذ آمن لهم.