ربما يكون من المبالغة طرح هذا السؤال وبهذه الصيغة لكن الأحداث الجارية حاليا في أوروبا والاقتصادية تحديدا تضع الكثير من علامات السؤال على تماسك الاتحاد الأوروبي الذي يعد اليوم اكبر اقتصاد في العالم.

وبعد أن تخلص العالم من أزمة الائتمان دخلت الأزمة الاقتصادية على الخط وزلزلت كيانات عدة في هذا الاتحاد الذي يعد اليوم انجح تكتل اقتصادي وسياسي على مستوى العالم وبالتأكيد فإن قادة أوروبا سيبقون في حالة تأهب دائم بعد ظهور حالات مرضية في الاقتصاد الأوروبي استدعت تدخلا عاجلا من قبل زعماء القارة.

وعلى رأسهم ألمانيا التي ضخت مليارات لإنقاذ اليونان من أزمة طاحنة كادت أن تنتقل عدواها إلى دول كبرى رغم أن الأزمة لم تنتهي بعد ويتعين على اليونان أن تقدم كشف حساب إلى كل الدول والمؤسسات الدولية على مدى كفاءتها في تطبيق الإجراءات الاقتصادية التي تضمن سداد القروض وتنفيذ الحزم الإصلاحية.

وخلال الأسبوعين الماضيين حفلت أوروبا بالكثير من الأحداث الاقتصادية الهامة وعلى رأسها ميزانيات التقشف في اسبانيا وبريطانيا وجميعها تعبر عن أورام اقتصادية يعاني منها الجسد الأوروبي حتى لو كانت بريطانيا خارج محور الاتحاد الأوروبي فهي تؤثر وتتأثر بما يجري هناك.

والأورام الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا قد لا تقتصر على الجانب الاقتصادي خصوصا إذا تحركت النقابات ومؤسسات المجتمع احتجاجا على إجراءات التقشف كما حدث في اليونان قبل أسابيع ذلك عندما نزل المحتجون إلى الشارع واشتبكوا مع قوات الأمن أي أن القضية الاقتصادية قد تتحول إلى مشاكل اجتماعية مزمنة في القارة العجوز التي كان وقع الأزمة العالمية عليها اشد من باقي مناطق العالم.

هناك حراك اجتماعي في كل من اسبانيا وبريطانيا ضد ميزانيات التقشف التي أعلنتها الدولتان بداعي أن هذه الإجراءات ستضرب النمو الاقتصادي وتدفع بالكثيرين إلى وحش البطالة الذي يطل برأسه على ساحات أوروبا والولايات المتحدة التي كانت مصدرا للأزمة الحالية في العالم وتسببت ممارسات سادها الجشع من قبل النظام المصرفي على ضفتي الأطلسي في خلخلة أركان الاقتصاد العالمي.

مشاكل أوروبا الاقتصادية لن تتوقف عن ميزانيات التقشف بل هي مطالبة أيضا بمراقبة الأوضاع في دول أخرى في داخل وخارج أوروبا، فألمانيا مثلا قوة تصديرية هائلة تحتاج إلى اقتصاديات جيدة متعافية لبيع منتجاتها ولن ينفعها الاقتصاديات الضعيفة كما أن أوروبا لا تريد أن يصبح الاتحاد كتلة ثقيلة الحركة .

وهي التي تضم اليوم نحو 24 دولة تتنوع اقتصادياتها وتتباين من حيث الأداء والعيون تتجه ليس فقط نحو الدول المنضمة حديثا بل هناك دول واقتصاديات كبرى تعاني من الأداء الاقتصادي الضعيف والديون الحكومية والعجز في الموازنات بما يخالف قواعد الاتحاد.

الأمر الغريب أن البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة تعود الآن إلى التدخل بقوة في النظام الاقتصادي بعد عقود من نظريات حول حرية السوق وعدم تدخل الدولة والأمر الأشد غرابة هو سعر الفائدة الصفري الذي يسود الولايات المتحدة حاليا لجذب الاستثمار مما يعني ضمنا فشل نظام الفائدة ووجود فرصة كبرى لنظام مصرفي جديد ربما يكون الأنموذج الإسلامي إذا أحسن تقديمه للعالم كبديل ومخرج للأزمة الحالية.

ولا ادري لماذا في كل مرة تذكر العولمة وتحول العالم إلى قرية صغيرة تناثر ببعضها ونظرية أحجار الدومينو ذلك أن أوروبا تعتبر جارة متوسطية لكثير من دول منطقة الشرق الأوسط والأحداث الجارية فيها حاليا ستؤثر حتما فينا بدليل سحابة الرماد البركاني وما خلفته من تأثيرات عميقة امتدت إلى جميع أنحاء العالم.

أوروبا قدمت للعالم تجربة اتحادية واقتصادية ناجحة وهي تسعى اليوم إلى تأكيد هذا النجاح المربوط باليورو الذي ما زال يعاني من ضعف بسبب الظروف الحالية والعجز والديون الحكومية في دول أوروبية عدة وهو أمر يسبب القلق لصناع القرار في أوروبا خصوصا ألمانيا القوة الاقتصادية العظمى في الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى اليورو بأنه النسخة المعدلة من المارك الألماني صاحب السمعة العالية في السنوات التي سبقت العملة الأوروبية الموحدة.

asmadi@albayan.ae