لا أستطيع أن أنسى ملامح الفرح الطفولي على وجه ذلك السبعيني في حفل تخرجي، وسعادته بالتخرج مثلي بعد طول انتظار. كان فارق الأعمار بين بعض الخريجين لافتاً وواضحاً للجميع، مما جعلني أتساءل حينها عن سبب وجودهم اليوم بيننا.
رغم أن وجود بعض (الطلبة الكبار) في الحرم الجامعي خلال سنوات الدراسة كان أمراً معتاداً، بسبب وجود كليات متخصصة للدراسات العليا تسمح للطلبة من مختلف الأعمار والخلفيات العلمية والثقافية بالالتحاق ببرامجها المتنوعة.
كانت الجامعة التي تمثل قلب المدينة النابض، ترسل رسائل مباشرة وصريحة لأفراد المجتمع بأهمية وحق التعليم للجميع، على حد سواء ودون استثناءات، وعرفت حينها معنى مصطلح أن «التعليم للجميع»، حق مكفول، يكفله المجتمع وتقره الأنظمة والقوانين، بغض النظر عن فوارق العمر والجنس واللغة.
حيث وفر الغرب نظاماً تعليمياً مريحاً ومبسطاً، يسمح للكبار الذين فاتهم قطار التعليم بأن ينخرطوا في سلك التعليم، بعيداً عن الإجراءات الروتينية المعقدة التي تفرضها وزارات التعليم في بعض البلدان على تعليم الكبار.
يقول محدثي إن شهادة الثانوية العامة تعتبر من أصعب الشهادات التي يمكن أن يحصل عليها الفرد في الدولة، إذا قرر إكمال دراسته بعد فترة انقطاع، حيث تقف الإجراءات الإدارية المعقدة، التي تغلب عليها الغرب بسنين ضوئية منذ زمن، حجر عثرة في طريق حصوله عليها!
وأسأله: لماذا؟ فيجيب: اسال وزارة التربية!
وتلعب مؤسسات التعليم الجامعي (وهي مؤسسات في المقام الأول تطبق الفكر الإداري والتعليمي) في الغرب، دوراً حيوياً في خدمة المجتمع بصفة عامة والفرد بصفة خاصة، فالمؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة تعتبر نفسها جزءاً أساسياً من المجتمع المحيط بها، وتحرص على توفير وتوجيه كل الخدمات التعليمية له، لأنه المتلقي الأول والأساسي.
لهذا تركز الجامعات الغربية على تحقيق التفاعل بين المجتمع والجامعة، وعلى المساهمة بطريقة علمية ومباشرة في التغير الاجتماعي المحلي، بحيث تقود المؤسسات التعليمة حركة التقدم والتغير في المجتمعات الحديثة، من خلال ربط التعليم بحاجات المجتمع التنموية وقضاياه المحلية واستراتيجياته المستقبلية.
ولا يتحقق ذلك إذا كانت الجامعة تقبع في أطراف المدينة بعيدة عن نبض المجتمع، أو كان أفراد المجتمع بعيدين عن التواصل المباشر مع الجامعة رغم قربها من منازلهم.
ولا تزال الجامعات الغربية تفتح أبوابها صباح مساء للزوار والجمهور، للاستفادة من خدماتها التي تقدمها للمجتمع من خلال حضور ندواتها وفعالياتها الثقافية والعلمية، بالإضافة إلى تنظيم دورات علمية وفصول دراسية، عن طريق التعليم المستمر والترويج له بطريقة حديثة بين أفراد المجتمع.
في المقابل، يوجد الكثير من البرامج والدورات التي توفرها الجامعات للأفراد في عالمنا العربي، لكن هذه البرامج تعاني من ضعف الإقبال وضعف الترويج. ورغم وجود بعض المحاولات الخجولة والاجتهادات الفردية للتواصل، إلا أن هناك حلقة مفقودة تسهم في عزلة الطرفين!
اسأل نفسك، هل حضرت أو شاركت في أية فعالية ثقافية أو تعليمية مؤخراً في إحدى جامعاتنا المحلية؟
أتوقع أن الفرد مغيب عن النشاط الثقافي والعلمي الذي يحصل في الحرم الجامعي (إن وجد)، لأسباب لا يستطيع شرحها موظف الأمن والحراسة على بوابات الدخول.
ما نتوقعه من مؤسسات التعليم الجامعي عندنا، ليس فقط تقديم خدمات متفرقة لبعض أفراد المجتمع وكأنها بذلك أدت دورها بنجاح، لكن نتمنى منها لعب دور أكبر يناسب حجمها ودورها.
قد يتحقق ذلك من خلال عدة مبادرات، ومنها على سبيل المثال، خلق شراكات استراتيجية مع قطاعات المجتمع المختلفة، وتثقيف الجمهور بالدور الريادي الذي تمارسه الجامعات، بالإضافة إلى فتح أبواب المدن الجامعية للجميع، حتى لا تكون مدينة في مدينة.
كاتب إماراتي
jamal.alshehhi@gmail.com