لم يكن يخطر ببال أحد أن دولاً عظمى، منها ثلاث دول ضمن الخمس الكبار في مجلس الأمن، ستعاني كل هذه المعاناة مثل بريطانيا وفرنسا ومن قبلهم الولايات المتحدة الأميركية وستواجه كل هذه المصاعب الاقتصادية والتي يعود جزء منها إلى الأخطاء السياسية والاقتصادية التي ارتكبتها إدارات سابقة مثل ادارة الرئيس بوش الابن التي خاضت حربين في فترة قصيرة وتسببت بإنهاك الخزانة وتركة ثقيلة للرئيس أوباما في ظل أزمة اقتصادية لم يعهد لها العالم مثيلاً.

ومثلما حدث في الولايات المتحدة نسجت بريطانيا على نفس الطراز وأصابها عطب اقتصادي لم تألفه منذ الحرب الكونية الثانية حيث تعاني البلاد من أزمة مديونية هائلة اجبرت الحكومة الاخيرة على القيام بإجراء جراحة ربما تكون خطيرة لمفاصل الدولة تمثلت في خفض طال مختلف القطاعات في البلاد بما فيها حليب الاطفال.

لكن التطور اللافت هو ما حدث في فرنسا التي وجدت نفسها أمام عنف ومظاهرات صاخبة احتجاجاً على رفع سن التقاعد ولكن القضية لم تختلف كثيراً عن مصاعب جارتها الانجليزية وحليفتها على الجانب الآخر من الاطلسي فالمشكلة الاقتصادية هي واحدة وتمثلت في ديون هائلة وعجز في الميزانيات يواجه مختلف دول القارة العجوز.

والتي كانت في يوم من الأيام واحة ثراء يضرب بها المثل في الرفاهية وفن العيش وأصبحت شعوبها تتلفت حولها خوفاً من المستقبل المجهول خصوصاً أن دولاً عدة باتت على القائمة مثل اسبانيا وايرلندا والبرتغال وسبقتها اليونان التي سارعت دول القارة وضخت في مفاصلها مليارات حتى تقوم على أقدامها التي أنهكها سوء الإدارة والديون الحكومية.

قضية الديون الحكومية أو السيادية مسألة ربما تحتاج إلى تفاصيل وتعقيدات كثيرة لكنها تختصر في الانفاق غير المحسوب وفي التصرف بالأموال التي لا تملكها وهي عادة أدمن عليها الشعب الاميركي الذي استدان ثم استدان بشراهة عبر بطاقات الائتمان حتى وجد نفسه ضحية للمصارف ومن يطالع أولئك الذين فقدوا منازلهم في الولايات المتحدة سيجد الرقم خيالياً خلال العامين الماضيين وهي ازمة كان لها التأثير المباشر في الازمة التي ضربت اقتصاديات العالم وتسببت بانهيار شركات عملاقة مثل «ليمان براذر».

ما يجري في العالم وخصوصاً في أوروبا يحتاج إلى وقفة مطولة من قادة العالم وصناع القرار الاقتصادي والسياسي وحتى علماء الاجتماع لأن تأثيرات هذه الاحداث لم ولن تتوقف على الميزانيات.

بل تعدته إلى قلاقل ومصاعب اجتماعية بدا العالم يعاني منها والامر يحتاج فعلاً إلى دراسة معمقة ليس فقط في مشاكل دول بعينها بل في أركان الاقتصاد العالمي ونظرياته ومبادئه التي قالوا عنها يوماً انها مقدسة خصوصاً اقتصاديات السوق التي حرك البعض الاقتراب منها. العالم بات يحتاج الآن إلى نظرة اوسع للاقتصاد لأنه عصب العالم ولأن السياسة لا يمكن لها أن تسير من دون العجلة الاقتصادية.

في الماضي كان الجميع ومن بينهم المنطقة العربية يعول على الخبرات الغربية التي كانت ومازالت تدير المؤسسات والشركات الكبرى المهمة لتصبح اليوم مطالبة بالبحث عن بدائل ليس فقط في الجانب الاداري بل في الاقتصاد ايضاً واذا كان العالم قد جرب كل النظريات والمبادئ الاقتصادية فلماذا لا ينظر إلى الاقتصاد الاسلامي الذي اشار به احد كبار الخبراء الاقتصاديين في الغرب والذي أكد أن العناصر التي يقوم عليها الاقتصاد الاسلامي قد تكون المنقذ للعالم من أزماته ربما لأن أهم مبدأ للاقتصاد الاسلامي هو تحريم الربا .

وعدم التصرف في ما لا تملكه وهما قضيتان كانتا سبباً مباشراً في المشاكل التي طالت كبرى اقتصاديات العالم والتي كانت تتغنى بحرية السوق غير المنضبطة والانفتاح من دون حدود.