اجتاحت العالم موجة عارمة من الدهشة والحيرة في آن معا، يوم أن فجر موقع ويكيليكس قنبلة أسرار العالم مع الولايات المتحدة الأميركية. آلاف الوثائق التي نشرها هذا الموقع، بلا شك ستشكل علامة تحول هامة في علاقة العديد من الأنظمة بالولايات المتحدة الأميركية، فلم يحدث على مر التاريخ أن كشفت أسرار الأنظمة والدول بهذا الشكل المزعج، كما لم يحدث أن تصرفت دولة من دول العالم مع حادث كهذا، بمثل هذا التعامل الأميركي الذي لم يحرك ساكنا، وكأن الأمر لا يعنيه! وهذا أمر طبيعي، فمتى كان الأميركان يولون اهتماما لحلفائهم؟!

عشرات الكتاب العرب انبروا لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الحادثة المفزعة، ليجمعوا في أغلبهم على أن ما حدث سيضع الأنظمة العربية، وغير العربية، على المحك في علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي لم تعد حليفا يمكن الاعتماد عليه أو مشاركته الأسرار، وبثه الهموم ومباعث القلق من هذا النظام أو ذاك.

ومع أن هذا الطرح يبدو منطقيا، إلا أنه يثير سؤالا كبيرا حول هذا الحليف.. وعما إذا كان بالفعل حليفا، على الأقل بالنسبة لنا كعرب، شعوبا وأنظمة؟ الشارع العربي يعرف الإجابة، وكذلك الأنظمة.. فالاميركان لم يكونوا حلفاء للعرب في أي يوم من الأيام، وكيف يمكن أن يكونوا حلفاء وكل مصائبنا تبدأ بهم وتنتهي عندهم!

لا أحتاج هنا لأسرد على القارئ الكريم سلسلة المصائب التي جاءتنا من الأميركان، فسردها يحتاج لمساحات واسعة جدا، غير أن الإشارة لبعض تلك القضايا، قد يكون مفيدا ومهما لندرك أن الحليف الأميركي هو مجرد وهم.. وسأكتفي هنا ببعض المواقف والشواهد التي تثبت صحة ما أقول.

من الذي أفشل كل القرارات الدولية «المنصفة» للعرب، ولقضاياهم في مجلس الأمن الدولي؟ أليس فيتو «الحليف» الأميركي؟ أليس الأميركان هم الأكثر استخدما لهذا الحق في مجلس الأمن، ومع الأسف فقد كان أغلب تلك المواقف دائما ضد العرب وقضاياهم؟!

من الذي يقف عائقا بين العرب وحقهم في فلسطين؟ من الذي دمر مختلف المبادرات العربية وغير العربية الهادفة إلى إحلال السلام في المنطقة وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية؟ أليس هو «الحليف» الأميركي ومواقفه المنحازة لإسرائيل وانقياده الأعمى لقادة الإرهاب الإسرائيلي؟

من الذي وقف ويقف سدا منيعا بين العرب والمجتمع الدولي، وبين إدانة الممارسات الإسرائيلية الهمجية ضد الشعب الفلسطيني؟ أليس هو «الحليف» الأميركي؟من الذي أسقط الصومال، ودمر العراق، ومزق لبنان، أليس هو «الحليف» الأميركي؟ من الذي يسعى لإفشال اليمن وتقسيم السودان، وتمزيق المواقف العربية؟ أليس هو هذا «الحليف» الأميركي؟

أبعد كل هذا ما زلنا نقول عن الولايات المتحدة، إنها «حليفنا»؟!

عجيب هو أمرنا نحن العرب، كيف نسلم زمام أمورنا ل«حليف» امتلأت ظهورنا، بل وجباهنا، بطعناته مرة بعد أخرى، مع أننا أمة مؤمنة حذرها رسولها الكريم من أن «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين»!

أعتقد أن بنا من الطعنات واللدغات ما يكفي، وأنه لم يعد في أجسادنا من مكان لطعنات أخرى، وأنه آن الأوان لنعيد تعريف «الحليف» على أسس سليمة، تضمن حقوقنا، وتصون دولنا، وتحمي شعوبنا من شرور «حليف» آثم، بضاعته الغدر والنكران.