الروس يريدون لقاءً عاجلاً وسريعاً مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لشرح وجهة نظرهم ومواقفهم من الوضع في سوريا، والتوصل إلى تفاهمات حول القضايا الملحَّة.

دول الخليج العربية طبعاً ترحِّب دائماً بالحوار مع القوى الدولية، سواء المؤثرة منها أو تلك التي لها علاقة بالأوضاع التي تشهدها المنطقة العربية، إلا أنها في كل مواقفها تستند إلى قاعدة أساسية تحكم توجهاتها؛ حيث إنها تحتكم إلى جملة من المبادئ والأخلاقيات واحترام الحقيقة، التي لا بد أن تسهم في تحقيق مصالح الآخرين والحفاظ عليها طالما التزمت القوى الساعية إلى تقوية مصالحها بهذه المبادئ، واقتربت من خلال أفعالها من الحقيقة، ولم تخرج على أخلاقيات التعامل.

البحث عن المصالح وتقويتها لا يمكن أن يتمَّا على حساب المبادئ، هذا ما تسير عليه دول الخليج العربية؛ لهذا ورغم علمها أن القوى الدولية بكل أطرافها تسعى إلى تعزيز مصالحها في إقليمها الخليجي، الذي يحتوي على العديد من الفرص الواعدة، وأنها في سبيل ذلك تتجاوز كثيراً من قواعد التعامل الدولي، بل خرق العديد من المبادئ والأخلاقيات، إلا أنها تتعامل وفق مفهوم وفَهْم تلك القوى وتعاملها مع ما يحدث في المنطقة العربية؛ إذ لا يمكن أن تقبل دول الخليج العربية وأهلها أن تكون القضايا العربية (سلعة مقايضة) بين هذه القوى المتنفذة، التي تريد فرض نفوذها على المنطقة.

فالروس غاضبون من تجاهلهم من قِبل أمريكا والغرب، وعدم إشراكهم في معالجة ما تشهده المنطقة من أحداث، وأنهم لا يمكن أن يقبلوا بعزلهم عما يحدث كما حصل في ليبيا؛ لهذا فإنهم يعملون على عرقلة ما يعتقدونه من تحركات أمريكية وغربية، سواء في مجلس الأمن أو في غيره من المؤتمرات والاجتماعات الدولية.

هذا الموقف الروسي يبدو مبرراً وواضحاً، إلا أن الأمر لا يتعلق بمواجهة أمريكا والغرب؛ فالمضي في هذا الأمر، ونعني الوضع في سوريا، الذي هو قضية عربية بحتة، له تأثير مباشر بأمنهم القومي، وهم الأكثر فهماً لما يحدث في سوريا، ولماذا حصل كل هذا التدهور؛ وبالتالي فإن الأخذ بالمقترحات والمبادرات العربية هو الأصوب والأكثر قرباً من المبادئ وأخلاقيات التعامل الدولي.

 أما أن يُستغل الوضع في سوريا للحصول على مكاسب سياسية وتحسين مواقف القوى الدولية على حساب القضايا العربية من خلال (مقايضات) لتبادل المنافع فهذا ليس مقبولاً، وليس مطروحاً ليس من دول الخليج العربية فحسب، بل من جميع الدول العربية الأخرى، وإن ربطت أنظمة عربية قليلة جداً مواقفها بتوجهات إقليمية مشخصنة هي وتلك الأنظمة، إلا أن دول الخليج العربية ليس من بينها، ولا يمكن أن تقايض مبادئها وأخلاقها مقابل مكاسب ومصالح لا تتوافق مع المصالح العربية العليا.

من خلال هذا المفهوم وهذا الفهم فإن دول الخليج العربية تمد يدها، وتعمل على فتح قنوات الحوار واللقاءات مع الجميع، روساً وصينيين وأمريكيين، وكل من يسعى ويعمل بصدق لتجنيب المنطقة العربية مخاطر تقاسم النفوذ بين القوى التي لا تزال طامعة في خيرات العرب.