نلاحظ في الفترة الحالية نماذج كثيرة من الابتكارات النوعية في التوجهات التقنية، التي شملت أغلب محطات وجوانب حياتنا، وعديد منها أصبح من عناصر القوة، واستطاع المجتمع الاستفادة من ابتكاراتها في كثير من المجالات، سواء الاقتصادية أو الدفاعية أو الاجتماعية أو غيرها، حتى أصبحت بعض الابتكارات الرقمية تشكل ثورة حقيقية ذات أبعاد وآفاق كبرى، وآثارها لم تتوقف على أعتاب أول مرحلة، بل جعلت العالم في سباق تنافسي للحصول على أحدث التقنيات المدعومة، تنتجها عمليات الذكاء الاصطناعي، وأصبحنا بالفعل لا يمر يوم إلا ونشاهد استعراضات جديدة من الابتكارات، سواء كانت هذه الآثار إيجابية أم سلبية، الأمر الذي بدأ يلخص مفاهيم جديدة بين المؤسسات الإعلامية المختلفة بشتى أنواعها، ومن سيتمكن من استثمار فرصة مسايرة هذا الواقع المتطور المتجدد والمواءمة معه.
بشكل مبسط جداً، الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على قطاع الإعلام من خلال تطور النماذج اللغوية الضخمة والصور المرئية التي سيتم تطويرها باستخدام تطبيقات جديدة ومتعمقة تؤدي إلى توليد المحتوى بشكل آلي، وسيتم تأهيل هذه النماذج لتكون واقعية وعملية ومعتمدة على المدى القريب، لتكون مرحلة جديدة من دون استخدام بشري بشكل نسبي، ويتمكن من توفير عدة ممارسات، مثل الترجمة الآلية وإنتاج الحوارات، وإنشاء محتوى الوسائط المرئية الاجتماعية، ونماذج أخرى تمكن الفئات الإعلامية من الوصول لأكبر شرائح المجتمع بأسرع وقت ممكن من خلال ديناميكية البيانات التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي، في الوقت نفسه سيعزز من القدرات الإبداعية وتوفير الوقت والموارد، وستكون ثورة إعلامية جديدة تمتلك توافقاً كبيراً مع التقنيات التي ستوفرها الثورة المعلوماتية وعلم البيانات. إن ملامح هذا الذكاء لن تبدو غريبة في القريب العاجل، وسيأتي تأثيره الكبير على الإعلام والصحافة، مع الاجتياح الكبير للتحولات الرقمية الذكية من المجالات الحيوية؛ لذلك نرى أن صحافة الذكاء الاصطناعي وضعت قدمها بالفعل في عالم الصحافة والإعلام، ما سيؤدي إلى إحداث تغيير جذري في عالم الإعلام الجديد.
قبل عدة سنوات رأينا وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» تبث حديثاً لأول مذيع افتراضي، تم فيه دمج التسجيل الصوتي والفيديو في الوقت الحقيقي مع شخصية افتراضية، كل ذلك في تطور واضح لعمليات استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال تكنولوجيا محاكاة الإنسان للصورة الذهنية، الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في الوسط الإعلامي، ويطرح تساؤلاً آخر، وهو ما مدى الجاهزية لمثل هذه الاستخدامات أثناء الأزمات؟ لذلك فالتحدي الكبير لقطاع الإعلام، ولن نشير هنا للتقليدي أو الجديد؛ لأن كلاهما مكمل للآخر، يتوجب عليه المواكبة والدخول والتعرف على أهم التقنيات الجديدة، ووضع أسئلة البحث المتمثلة بماذا تحتاج غرف الأخبار؟ ماذا يحتاج الصحافي الجديد؟ ماذا يريد الإعلام من تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير الأعمال؟ ماذا؟ هي نقطة البداية للوصول للمؤشرات التي نحتاج إليها لتطبيق الأهداف على أرض الواقع الذي سيشكل أبعاداً جديدة لإعلام يتميز بالاحترافية في المستقبل.