التفاؤل والتشاؤم مصطلحان يعبران عن توقعات أو تخمينات تنتج عن طبيعة إدراك الإنسان للشكل المحتمل للمستقبل، وقد يعبران من زاوية أخرى عن مشاعر راهنة للفرد، تنتج عن أحداث يعايشها في الوقت الحاضر، أو ظروف معينة تحيط به، وتؤثر في حياته. هذه التوقعات أو المشاعر إما أن تكون إيجابية تعبر في جوهرها عن حالة تفاؤل، أو سلبية تعبر عن حالة تشاؤم. السؤال المهم في هذا المقام: أيهما أفضل، الإيجابية المصاحبة للتفاؤل، أم السلبية المصاحبة للتشاؤم؟ بالتأكيد الإيجابية المصاحبة للتفاؤل هي الأفضل، ولكن عن أي إيجابية، وعن أي تفاؤل نتحدث؟ هذا ما سنعمد إلى مناقشته من خلال مقال اليوم. 

الأمر المتفق عليه بين عموم الناس أن الإيجابيين والمتفائلين هم الأفضل؛ لأن الإنسان المتفائل يكون مقبلاً على الحياة بعقلية تفترض أن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر، الأمر الذي يحفظ له دافعيته، ويجعله قادراً على القيام بأعماله اليومية بنشاط وحيوية، بعيداً عن مشاعر الخمول التي تصاحب المتشائمين عادة، والتي يمكن أن تتسبب في عرقلة مسيرتهم الحياتية، وذلك على المستويين الشخصي والمهني.

أصناف 

ما المقصود بالإيجابية؟ ومن هم الإيجابيون؟ في هذا الشأن يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية»، تحت عنوان: «الإيجابية.. في نظري»، ما نصّه: «الإيجابية باختصار تتعلق بنظرة الإنسان للأمور، هي النظارات التي يضعها الإنسان فوق عينيه عندما يشاهد العالم، أو يشاهد التحديات، أو يشاهد المستقبل، أو يشاهد الناس من حوله، أو يشاهد الحياة بشكل عام، فإذا كانت النظارات سوداء، رأيت التحديات صعبة، والمستقبل مظلماً، ورأيت الناس من حولك بعين الشك، ورأيت العالم مليئاً بالكوارث والمصائب والشر. أما إذا كانت نظرتك إيجابية، رأيت في التحديات فرصاً، وفي المستقبل نجاحاً، وفي الناس طاقات وإمكانات ومواهب وخيراً، ورأيت العالم مليئاً بالإنجاز والسعادة وسريعاً في التقدم والتطور».

اقتران 

هل الإيجابية تعتمد على مجرد عقلية تنظر إلى المستقبل بعين التفاؤل؟ بالتأكيد لا. الإيجابية الحقيقية، والصحيحة يجب أن تكون مدخلاً لتفاؤل واقعي بالخير، يعتمد على أفعال يجتهد الفرد للقيام بها، متوكلاً على الله عزَّ وجلَّ، أفعال تسمح بتوقع تحقيق نتائج إيجابية لاحقاً. في هذه الحالة إن صحّت التوقعات وتحقق الخير في المستقبل، على الإنسان أن يكون شاكراً ويحمد الله عزَّ وجلَّ. أما إن لم تصح التوقعات، ولم يتحقق الخير لاحقاً؛ عند ذلك يجب على الإنسان أن يرضى بمشيئة الله تعالى، ويقول قدر الله وما شاء فعل. 

ما نريد التأكيد عليه أن الإنسان العقلاني ينبغي عليه بناء أساس منطقي للتفاؤل بالمستقبل، فمن غير المقبول أن يتوقع الإنسان خيراً من دون أن يبذل أسباباً في سبيل ذلك الخير. على سبيل المثال لا الحصر: لا يعقل لطالب غير مجتهد أن يتفاءل بالنجاح، ولا يعقل لإنسان يتناول أطعمة غير صحية، ولا يمارس الرياضة أن يتفاءل ببدن سليم، ولا يعقل لموظف لا يبذل جهداً في عمله أن يتفاءل بمستقبل مهني مشرق. هذا يعني أن النظرة الإيجابية ينبغي أن تكون مقترنة بالعمل. في هذا الصدد يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في كتاب: «تأملات في السعادة والإيجابية»: «النظرة الإيجابية تعطينا طاقة كبيرة للعمل والإنجاز والنشاط والثقة بالنفس والحماسة للعمل، وتولّد سعادة داخلية. ويمكن أن نسمي هذه الطاقة (الطاقة الإيجابية)». 

ختاماً نقول: الإيجابية أفعال، وليست أقوالاً، والتفاؤل بالغد ينبغي أن يدعم بممارسات عملية، وسلوكيات تطبيقية، عنوانها الاجتهاد والأخذ بالأسباب، إلى جانب الاستمرار في تطوير ما هو قائم، والتعلم من الأخطاء في حال حدوثها، والتعامل معها بوصفها فرصاً للتحسين، ومدخلاً عملياً لتعزيز نقاط القوة، ومعالجة نقاط الضعف، بهذه الطريقة تصبح للحياة قيمة، وللأيام معنى.