نقاشات بلا ضرورة!

استوقفتني هذه العبارة التي جاءت في إحدى قصص مجموعة (طبيب الأمراض العقلية) للروائي والقاص البرازيلي ماشادو دي آسيس «إن المناقشة هي الشكل المهذب لغريزة القتال التي تترسخ بعمق في الإنسان كميراث وحشي، وإن الملائكة لم يدخلوا مطلقاً في مجادلات، لذلك كانوا آيات الكمال الروحي الأبدي».

وردت هذه العبارة على لسان رجل كان بصحبة أربعة آخرين يتناقشون ذات مساء حول ظواهر كونية، لم يشأ الرجل أن يشاركهم النقاش فظل صامتاً، وقال جملته هذه حين سئل عن السبب، فتحداه أحد الأربعة، ما جعله مضطراً لأن يرد، ذلك الرد الذي قادهم في النهاية للوقوع في الخلاف والاختلاف، بالرغم من أنه اشترط عليهم منذ البداية أن يستمعوا له فقط دون رد!

لم يشأ ماشادو، من خلال قصته هذه، أن يدعو لقمع فضيلة الحوار، أو أن يصادر حرية الرأي، لكنه كان ينتقد الجدال العقيم الذي بلا نتيجة، فبعض النقاشات تخترع اختراعات لإيجاد حالة من الصراع والهجوم على شخص، أو قيمة أخلاقية معينة، أو فضيلة من الفضائل، بهدف تسفيهها أو هدمها في نظر الآخرين، لقد كان الأصدقاء في قصة ماشادو (المرآة) يناقشون موضوع الروح، وهو موضوع لم يتمكنوا من الوصول فيه إلى اتفاق، وحين تدخل الرجل الخامس زاد الجدل والخلاف بينهم، واتسع الخرق على الراتق كما يقال!

ذكرتني العبارة بكثير من النقاشات العقيمة جداً، بل إنه يصح وصفها بالمريضة فعلاً، لأن أصحابها لا هدف لديهم سوى إثارة البلبلة بين الناس، وفتح باب العنصرية والكراهية التي تتبدى في السجالات والردود بين المتداخلين على منصات السوشال ميديا، بهدف زيادة المتابعين، ورفع قيمة التغريدة لتصبح مثار اهتمام عام!

هناك نقاشات على منصة إكس (تويتر سابقاً) أشبه بالقتال أو النزال في الحرب بين المتقاتلين، حين يمعن البعض في التسبب بإيلام الآخر والتنمر عليه، وتعمد إهانته وشتمه دون أدنى سبب منطقي، إلا لحاجة في نفس يعقوب قضاها، أو لأن تلك النوعية من التدخلات تمثل دوره ومهمته التي يؤديها على هذه المنصات ذات الدور الملتبس!