هكذا تنتشر الحكايات..

انتشرت هذه القصة أو الاقتباس عبر وسائل الإعلام الاجتماعي الحديث وبسرعة فائقة، وتم تناقلها وإعادة نشرها آلاف المرات، تقول الحكاية إن إحدى الطالبات سألت أستاذتها عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية الشهيرة مارغريت ميد، حول ما تعتقد أنه أول مؤشرات نشوء الحضارة على كوكب الأرض، وإن ميد أجابتها: بأن عثور العلماء على ما يعتقدونها أقدم عظمة فخذ بشرية مرممة، تعتبر من وجهة نظرها أول مؤشر على نشوء الحضارة! لفتت هذه الحكاية أنظار علماء الأنثروبولوجيا، لطرافتها أولاً، ولاهتمامهم بكل ما صدر عن العالمة الشهيرة، فعكف أحد هؤلاء العلماء وهو البروفيسور جدعون لاسكو عالم الأنثروبولوجيا والطبيب المقيم في الفلبين، الحاصل على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة أمستردام، ودكتوراه في الطب من جامعة الفلبين، على أقصى حقيقة الحكاية، وهل اعتقدت مارغريت ميد فعلاً أن عظم الفخذ الملتئم كان أول علامة على الحضارة؟

لقد توصل إلى أن ميد حين سئلت عن أولى علامات نشوء الحضارة، كان ردها الموثق مختلفاً تماماً، حيث أجابت: «بالنظر إلى الماضي، فإننا نسمي المجتمعات «حضارات» عندما أصبح لديها مدن عظيمة، وتقسيم متقن للعمل، وشكل من أشكال حفظ السجلات، هذه هي الأشياء التي صنعت الحضارة».

فمن أين جاءت حكاية عظمة الفخذ المرممة إذن؟ ولماذا اجتاحت مواقع التواصل والشبكة المعلوماتية؟

إننا نعيش في عصر المعلومات المضللة بامتياز، وهو ما يوضح انتشار هذه القصة بالطرق التي يمكن أن تنتشر بها ملايين القصص والاقتباسات دون أن يأخذ منشئوها الوقت الكافي للتحقيق في مصدر مراجعهم الثقافية.

إنه وبغض النظر عن دقة الحكاية، فإن كفاءتها وضرورتها للناس خلال وقت الأزمات، توضح سبب لجوئهم لمثل هذه القصص الإنسانية، وإلى الشخصيات الراسخة في العلم، مثل مارغريت ميد، للحصول على المرجعية الصادقة والإلهام. لقد تحدث علماء الأنثروبولوجيا عن أوقات الأزمات باعتبارها لحظات انتقالية أو «حادة» تلجأ خلالها المجتمعات إلى المعاني والتجارب الإنسانية المشتركة لفهم ما تمر به. وقد كانت جائحة «كوفيد 19» خير مثال على ذلك، حيث خلالها انتشرت مثل هذه الحكايات. إن شعبية الحكاية، وانتشارها، تكشف عن واحدة من أقدم وأضمن علامات الإنسانية: حاجتنا الطويلة إلى رواية القصص.

 

الأكثر مشاركة