ثورة الإعلام على الإعلام!

في عالم الإعلام بشقيه التقليدي المتعارف عليه والحديث الذي أفرزته ثورة التكنولوجيا يوجد ما لا يعد ولا يحصى من التحديات والمخاوف والتهديدات، التي قد يلعب فيها من يسمون بالمشاهير والمؤثرين دوراً كبيراً في إضعاف دور الإعلام الحقيقي ومصداقيته ورصانته وأحياناً قد يؤثرون في تحييد دور الصحفي الحقيقي لصالح مجاميع من صناع المحتوى الفارغ للأسف الشديد، ورغم وجود القوانين ومواثيق الشرف التي تحفظ للجميع حقوقهم ويلتزم بها الإعلام الرصين، إلا أن القضايا والشكاوى التي يثيرها كثير من صناع المحتوى في الإعلام الحديث قد توضح جزءاً من الواقع الذي وصلنا إليه!

الإعلام مجال سريع التحول، وهو من أكثر المجالات استجابة للتطورات ولما ينتجه العلم، فكل جديد يصب فيه ليتحول إلى جزء ثابت فيه. ولقد أثرت هذه التطورات المعروفة بالإعلام الحديث على شكل الإعلام المتداول، كما على جوهره ورسالته ونوعية القائمين به وأخلاقيات المهنة نفسها، حتى أصبح في بعض توجهات المؤثرين وممارساتهم يشكل خطراً على الإعلام الحقيقي!

لقد تأثر جوهر الإعلام الخاص بنشر الأخبار بين الجمهور، كهدف أول، ثم أضيف له الرأي فيما بعد، فأصبح معنياً بدقة الأخبار وبحرية التعبير والرأي، وتحولت هذه الحرية إلى مقياس ثابت من مقاييس تطور ومكانة المجتمعات الحديثة، فكلما تمتع الإعلام في أي دولة بالانفتاح والحرية والمصداقية والجرأة دل ذلك على تطور وشفافية قوانين الدولة.

ما حدث في السنوات الأخيرة هو أن الإعلام في ثورته التقنية تغول على الإعلام التقليدي وتنازل عن كثير من شروطه، وأصبح مهنة لمن لا مهنة له، كما أصبح كل مشهور إعلامياً، بعيداً عما يقدمه، وصارت شهرة الشخص كافية ليمارس نشر الأخبار والآراء كما يشاء دون الحاجة للنزاهة والدقة والمصداقية، والقدرة على التفريق بين الحقائق والإشاعات، وبين المحتوى الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، والمحتوى ذي القيمة والفائدة، فطغت الثرثرات التافهة والاستعراضات الممجوجة والشخصيات المستفزة، وأصبح هؤلاء يشكلون خطراً فعلياً على الإعلام وحريته ورصانته!

لقد تم تحييد النقد البناء للظواهر السلبية في الأدب والسياسة والثقافة والإعلام بسبب الحساسيات التي يثيرها النقد وعدم قدرة الأشخاص على فهم وظيفة النقد، وأصبح الذين يسمون أنفسهم بالمؤثرين يعتبرون أنفسهم فوق النقد، فيهددون بالشكاوى والقضايا ضد أي نقد يتناول ممارساتهم التي قد تمس المجتمع وثوابته، وهذا أخطر ما شكلته ثورة الإعلام على الإعلام!