انتصاراً لحق الخصوصية

قرأت في صفحة أحد مشاهير السوشال ميديا أنه كان يراجع أحد المشافي لوعكة ألمت به، وأن الطبيب نصحه بضرورة تناول الطعام بانتظام وعدم تمضية النهار بمعدة خالية لأن لذلك مضار صحية، لذلك مر في طريقه على محل اشترى منه قطعة حلوى أكلها وخرج، إلا أن إحدى متابعاته التقطت له صورة أثناء ذلك دون معرفته، وكتبت تحتها تلومه على عدم التزامه بقواعد الإتيكيت في الأماكن العامة، حيث توجب هذه القواعد، كما كتبت، على الشخصيات العامة في الأماكن أن يتركوا ربع الطعام على الأقل في الطبق حتى يبدو سلوكهم لبقاً!

إن أول التجاوزات في هذه الحكاية هي التقاط صورة دون الحصول على إذن من صاحبها، ثم وضعها على وسيلة عامة والتعليق عليها بما لا يتفق وأصول اللباقة، استناداً إلى قناعات شخصية لدى ملتقط الصورة، وهي قناعات لا تلزم أحداً سوى صاحبها، ولا يصح أن يقيم بها سلوك الآخرين أو يشهر بهم بشكل معلن لأنهم خالفوا الإتيكيت الذي يسير عليه لأنهم شخصيات عامة!

فحتى أصحاب الشخصيات العامة لهم حق التمتع بخصوصية الحياة وتمضية الوقت وطرائق تناول الطعام وارتداء الثياب.. إلخ، بالطريقة التي تعجبهم، ما لم يؤذوا أو يتجاوزوا على أحد، فكونك شخصية عامة لا يعني أنك مرتهن طيلة الوقت للفضاء العام ولعيون المتطفلين، أو أنك مستباح للتصوير والانتهاك، والتعليق، والتنمر، والعدوانية.

لا أدري كيف أصبح للناس هذه القدرة العجيبة على انتهاك خصوصيات الناس والتنمر عليهم على وسائل التواصل بسبب آراء يبدونها أو تصرفات معينة لا يتفقون معها، وذلك تحت ذرائع ومبررات غير منطقية وغير محقة أيضاً، فأن تنتقد سلوكاً أو أداء عاماً لأنه يتعارض مع مصالح الناس أو يضرّ بهم أو بثقافتهم أو معتقداتهم أو بالعلاقات الاجتماعية.. فهذا أمر قد يكون مقبولاً، أما الهجوم والتنمر والتشهير دون أي مبرر سوى البحث عن إعجاب المتابعين فيحق مقاضاة صاحبه على الفور، لأن هذا لا يدخل في باب حرية الرأي أبداً، والحق أن هناك خلطاً واسعاً بين حرية الرأي وحرية التطاول!