في الطريق إلى..

مررت بقصبة الوداية بالرباط، ولجت من أحد مداخلها الأثرية، وتسمرت أمام البوابة الخشبية الهائلة للقلعة، حين سمعت رفيقتي التي تسير بجواري تتساءل: لماذا كان القدماء مغرمين بالضخامة في كل ما يبنونه؟ القصور، المنارات، القباب، البوابات، الحدائق.. قلت لها لا أظن أن تلك الضخامة كانت مجرد خيار شخصي لأحدهم، بقدر ما يتعلق الأمر بإصرار أصحابها على تأكيد عظمة الملك وإيقاع رهبة السلطة في النفوس، ثم لا بد من التنبه إلى ما تفرضه الضرورة كذلك.

فأسفل أقواس هذه البوابات الضخمة كانت تفد جيوش وملوك ووفود وبعثات فكان لابد من مداخل بهذا الاتساع وهذه الضخامة. كما يلج منها قادة الجيوش فوق ظهور خيولهم بأعناقهم المشرئبة وهاماتهم المكللة وهم عائدون من المعارك الكبرى، تتبعهم خيول وجنود وبيارق انتصارات متطلعين للقاء الملوك والسلاطين.

ورغم أنني ألج قلعة من قلاع المرابطين التي تأسست لتكون منطلقاً لذلك، إلا أنني أردت قضاء أمسية رائقة تتسق وذلك المساء الهادئ ذي النسمات الندية، لكنني وأنا أسير متأملة تفاصيل الحاضر وهي معلقة على جدار التاريخ داخلتني الدهشة إزاء ما أرى، فما علاقة جيش من القطط بقلعة من قلاع الفتوحات؟ لكنني استدركت سريعاً وتذكرت أنني في زمن آخر، ثم إن الفتوحات والانتصارات كان يصنعها بشر عاديون يسيرون في طرقات كانت تسير فيها نساء وخيول وقطط وكلاب فما العجب!

مضيت منتشية بجمال اللحظة، وإذا بي أسمع نباحاً ينصب علي من الأعلى، فزعت أن يأتي النباح من الأعلى، رفعت رأسي فإذا بكلب ضخم معلق على سطح البيت أثار في قلبي الفزع، وجعلت ذاكرتي تستدرج حكاية الكلب الذي يسكن طفولتي ولا يريد مغادرتها، يلوح بصوته مزمجراً ومثيراً الفزع في قلبي كلما شاهدت كلباً في أية لحظة!

قلت كيف أفعل إذا سقط هذا الكلب فوقي؟ أوشكت على الجري، فإذا بي أصطدم بسيدة طاعنة في السن مررتُ بها خطفاً، ومرت هي بي سريعاً، لكنها عادت خطوات لتسألني (من وين أنت بنتي؟) أجبت من الإمارات، قالت مبتسمة: مرحباً أهلنا وأحبابنا ثم مضت.. ومضيت أنا متناسية الكلب!

الأكثر مشاركة