الجريمة في الدراما الإسبانية

تعالج الدراما الإسبانية جرائم القتل والإثارة النفسية عبر بوابات شديدة الإنسانية، وبشكل بارع جداً وصل إلى درجة منافسة الدراما الأمريكية، حتى أصبح معظم نتاج إسبانيا من الدراما منصباً على هذا الجانب، والحق أن الإسبان قد برعوا في ذلك خلال السنوات الأخيرة مع بزوغ نجم المنصات الخاصة التي توفر اشتراكات منخفضة الكلفة!

لقد برعت المسلسلات الأمريكية منذ البداية في هذا النوع من الأعمال، وقدمتها بشكل وتقنيات إخراجية معروفة هيمنت على ذائقة وعقول الشباب، إلا أن الإسبان قلبوا الطاولة في وجه الأمريكان عندما بدؤوا بإنتاج مسلسلات جريمة بشكل فائق الذكاء والعمق، بحيث لم تعد مسلسلات الجريمة مجرد مشاهد مليئة بالدماء والمطاردات والقتلة المتسلسلين المهووسين بالقتل، وبمحققين بهيئات ضخمة مدججين بالمسدسات والعصي الغليظة، تلك الصورة التي هي في الأساس انعكاس لصورة القوة الأمريكية كما تقدمها أمريكا لنفسها أمام العالم.

لعل المسلسل الإسباني (سرقة بيت المال) هو أشهر مسلسلات «الجريمة» وأكثرها تقييماً ومتابعة على مستوى العالم، وهو فاتحة تلك المسلسلات التي كسرت نمطية نظيرتها الأمريكية، عندما تغلغلت في الفلسفة وقوانين علم النفس والسلوك الإنساني، وأحلام البشر في المساواة ومقاومة التمييز المجتمعي وإن على يد حفنة من اللصوص، في جميع الأحوال فإنك لا تخرج من أي مسلسل إسباني (رغم مبالغة المشاهد الخارجة أحياناً) دون أن تضع يديك على حقيقة عميقة أو دوافع إنسانية تكمن وراء تلك الجريمة!

آخر ما يعرض الآن، هو مسلسل يتعرض لقضية قتل مروعة ومثيرة حدثت بالفعل وهزت الشارع الإسباني، هي قضية أسونتا الطفلة التي قتلت عام 2013، على يد والديها للاستشارة، والتي تكشف عن عمق الهوة الأخلاقية التي تتردى فيها العلاقات الإنسانية في مجتمعات الرفاه والثراء التي تصدر للعالم صورة براقة عن العائلة والإنسان المثالي السعيد الذي يستطيع بالمال أن يحصل على كل شيء حين يريد ثم يتخلص منه حين يريد كذلك. كما حدث مع أسونتا، التي كشف مقتلها المروع تلك الأعماق المظلمة للنفس البشرية المختفية وراء قناع الإنسان المثالي والأسرة السعيدة، التي يخفي أفرادها الكثير من الأكاذيب والانحرافات والخيانات والأسرار متظاهرين بالمحبة والتآلف!

الأكثر مشاركة