هل الآتي هو الأسوأ فعلاً؟

لا شيء يخيف الإنسان كالمجهول، فكل ما هو خارج علمه وقدرته على الوصول إليه أو فهمه أو تفسيره، يثير فضوله ومخاوفه وهواجسه، خاصة حين يكون هذا الشيء شديد السطوة والخطورة عليه وعلى منجزاته، لذلك يطارد الإنسان المجاهيل والهواجس والأشباح كي يستوضح أسرارها ويفكّك ألغازها ليشعر بالأمان والتفوّق عليها!

أما إذا لم يستطع إلى ذلك سبيلاً فإنه يتّقي تلك المجاهيل، ويتجنّبها محاولاً تحييدها وتقليل مخاطرها بعدة طرق، منها لجوؤه لنسج الأساطير والخرافات حولها، أو استرضاؤها وتأليهها وعبادتها كما فعل منذ فجر التاريخ مع قوى الطبيعة كالنجوم والكواكب وغيرها، ولقد ظل السؤال حول الغد والمستقبل، وما يخبئه القدر للإنسان، محركاً ودافعاً للكثير من التصرفات والظواهر السلوكية الساذجة كالتنجيم وقراءة الطالع والنظر في النجوم والأبراج، وقد برع في ذلك شخصيات اشتغلوا بالتنبؤ والكهانة، مع ما رافقهم من شكوك وعدم تصديق!

لكن المؤكد أن الإنسان وحتى في أيامنا هذه رغم وصوله إلى درجات عالية من العلم والتطور والوعي، إلا أن ذلك الخوف القديم والفطري من المجهول ما يزال مستقراً في الجزء البدائي منه، والذي يجعله يلجأ للعرافات والدجالين وقراء الطالع، هذا الاهتمام الذي تجلى في ظهور برامج وشخصيات أصبحت مثار جدل في السنوات الأخيرة عبر تسللها إلينا عن طريق محطات تلفزيونية رسمية للأسف!

وانطلاقاً من هذه المخاوف يأتي كتاب «الأسوأ لم يأتِ بعد»، والذي يقرأ الواقع السياسي والاجتماعي، بشكل منهجي استقرائي ليستنتج كاتبه استحالة ظهور أنظمة تحررية لصالح الإنسان ممكن أن تفرزها الرأسمالية الحالية، وأن ما سيأتي هو عالم أسوأ بكثير، إلا إذا حدثت معجزة تعتمد على مدى وعي الإنسان بما يحدث من حوله!

يستدل المؤلف على أن الآتي أسوأ بأمثلة يسوقها فيقول: «يعلم هذا المديرون التنفيذيون الأثرياء الذين تجهزوا للأسوأ بشراء المنتجعات المعزولة الآمنة في نيوزيلندا، ويعلمه أيضاً السياسيون الذين بدورهم تجهزوا له بتحويل الدول إلى آلات حرب مستعدة للعمل، أما العلماء فهم إما يصرخون محذرين، أو ينتهزون الفرصة لإجراء تجارب جينية متهورة!».

 

الأكثر مشاركة