عندها.. وقفت وبكيت!

هل سبق أن وقعت عيناك على جمال وجدت نفسك دون أن تشعر تبكي أمامه؟ ذلك الجمال المفرط في رهافته وكثافته، والذي قد يفاجئك، وقد يجعلك تبكي متعثراً بمشاعرك، كطفل وجد نفسه في مدينة من العجائب! إذا حدث معك أمر كهذا، فإنك لن تنساه حتماً، وستظل تحتفظ بتفاصيل تلك اللحظة التي عشتها : رائحة المكان، شكل الوقت، وذلك الجمال الذي كنت تنظر إليه، بينما دموعك تملأ عينيك، وأنت في منتصف المسافة بين الضحك والبكاء، والشعور الغامر بالابتهاج.

كان الوقت مساء، عندما هبطت طائرتنا في مطار فرانكفورت، أربع صديقات يغامرن في رحلة إلى الريف لأول مرة، أنهينا إجراءات المطار وخرجنا، كان المطر ينهمر بغزارة، وكنا قد استأجرنا سيارة، تولت إحدانا قيادتها، وبسبب الطقس وعدم معرفتنا بالمدينة، ضللنا الطريق إلى وجهتنا، وبدأ القلق يغزو الجميع، لكننا واصلنا القيادة، فلا حل آخر، بعد أكثر من ساعتين، وجدنا أنفسنا نقترب من قرية، ظهر اسمها على لوحات الشارع العام، أما طرقات ومنازل القرية، فكان أغلبها مطفأ كعادة هذه القرى!

توقفنا أمام نزل صغير، ما زلت أحتفظ بصوره حتى اليوم، حصلنا على غرفتين، تقاسمناهما سريعاً، ولعدم وجود مساعدين أو مصعد، تكفلنا بنقل حقائبنا للأعلى. بمجرد دخولنا للغرفة، تهالكنا على الأسرّة الوثيرة، وذهبنا في نوم عميق، قرصنا الجوع والبرد معاً، فصحونا باكراً، هرعت وصديقتي إلى النافذة، أزحنا الستائر وفتحنا الزجاج، وعندها تسمرنا في مكانينا، تلك هي اللحظة التي لم أنسها حتى اليوم، كان ذلك في صيف عام 1999.

لا شيء يقف حائلاً بين عينيك وبين ما تراه، بيوت صغيرة يلمع قرميد أسقفها تحت ضوء النهار، جبل تتلألأ خضرته على البعد، تكلله قمة بيضاء من ثلوج متوهجة، ثم ينسدل ثوب المروج الخضراء، ناشراً جمالاً لا يمكن وصفه، بينما تنحدر الشلالات ببذخ تلقائي.

كنت أرى مشهداً كهذا لأول مرة في حياتي، لذلك بكيت، وسمعت صديقتي تقول: كأن كل الألوان في هذا الكون قد سُكبت هنا، حين التفتّ إليها، وجدت عينيها غارقتين بدمعهما.