هل تغيرت الكتابة؟

هل تغيرت الكتابة وهي تعبر بين زمنين: المكتوب والإلكتروني؟، أي ما بين زمن الصحافة التقليدية الورقية وبين الصحافة الافتراضية الإلكترونية؟ هل تغير الكاتب؟، هل تغيرت نظرته للكتابة وإيمانه بدورها؟، هل لا يزال يعتقد بأن قارئاً يمكن أن يخرج من بيته في الصباح أو في المساء ليسير في طريق اعتاد أن يقطعه متجهاً إلى مكتبة الحي أو إلى أقرب دكانة صغيرة أو محطة بترول تبيع الصحف ليشتري صحيفة يطالع أخبار العالم ثم يقلبها للصفحة الأخيرة ليقرأ عموداً لكاتبه المفضل؟.
إجابتي عن جميع هذه الأسئلة: نعم!

نعم تغيرت الكتابة ما بين عام 1999 وعام 2024، لقد تغير الوعاء أو الوسيلة التي تنقل الكتابة من الكاتب للقارئ، ومع تغير الوسيلة تغيرت الرسالة، وكذلك المرسل، لأن القارئ أو الجمهور المتلقي تغير تماماً، لم يعد هو ذلك الشخص الذي في البال، ذلك الذي ينهض باكراً ليتناول فطوره ويطالع جريدته، لم يعد هناك قراء يلاحقون كتابهم، أو يراسلونهم، أو يبثونهم شكاواهم، إنهم لا يزالون يقرأون، ويتابعون، ويبدون إعجابهم بطريقتهم، لكن بأشكال ووسائل مختلفة تماماً. أما الكاتب فإنه إن لم يتغير فلن يكون طبيعياً، الكاتب إنسان، والإنسان ابن زمنه ومجتمعه، ولكن السؤال كيف تغير؟، وفي أي اتجاه؟، التغيير الذي أظنه هو ما يخص المعرفة والأدوات والمواكبة، الكاتب يفترض به أن يتطور ويطور أدواته، ثورة المعرفة منحته أفقاً وفرصاً وإمكانيات هائلة للوصول لمصادر المعلومات، كما وفرت له جمهوراً عريضاً من جميع الأعمار والشرائح والثقافات والبلدان، وحررته من قيود الرقابة والمحظورات، ألن يدفعه كل ذلك للتغيير؟ حتماً سيفعل!.

لم تتغير نظرتي للكتابة من حيث أهميتها وقوتها وأثرها وسحرها، فالكتابة رديف القراءة، وهما الفعلان اللذان لم يختفيا يوماً في حياة البشرية، لكن الذي تغير هو موقفي من الكتابة، فبعد أن كانت وسيلتي لأصل للناس وللقراء، أصبحت الكتابة وسيلتي للوصول للذات من أجل وضوح وقوة وفهم أعمق وأجمل وأكثر ثباتاً.