الاختيار!

أعرف أصدقاء وزملاء في المجالين الأكاديمي والأدبي علاقتهم إما محدودة وإما معدومة تماماً بعالم تقنيات الاتصال ومواقع التواصل والإعلام الرقمي، بعض هؤلاء احتفظ طوال سنوات وحتى اليوم بهذا الموقف الرافض على أساس عداء كامل للتقنية، التي يراها شراً محضاً، إنها كالريح التي عليك أن تغلق الباب في وجهها لتستريح كما يقول، وهو موقف لا يبدو لي عقلانياً أو مقبولاً بالنسبة لشخص يقع في قلب عالم الكتابة والإعلام والثقافة.

إن عدم الاعتراف بأخطر وأهم الثورات التي غيرت تاريخ البشرية وهي ثورة المعلومات والتقنية، وتجنبها باعتبارها (رجساً من عمل الشيطان) بسبب مثالبها وسلبياتها، لا يعبر عن أي فهم لحقيقة هذه الثورة ودورها في الصراع، كما لا ينم عن وعي وتقدير لدورها الكاسح في حياة الأفراد والمجتمعات والاقتصادات والعلوم و.. إلخ، إن عدم الاعتراف هذا ليس سوى قبول بالحرمان من الفوائد، التي توفرها هذه التقنية للإنسان، وبدل الرغبة في إقصائها فإنها تقصينا وتحاصرنا في جزيرة نائية تماماً!.

إن الذين يختبئون بعيداً متجنبين مواجهة التحديات، التي لا يقدرون على التعامل معها إنما يهربون من عجزهم أحياناً أو من خوفهم أو خشية من الهزيمة، لذلك فالاختباء هو الحل الأمثل بالنسبة لهم، بينما الحل الحقيقي يكمن في فتح ثغرة في هذا التحدي وملامسته، والاستقواء بالوعي والمعرفة كي نعرف كيف نقف في وجهه، وكيف لا نسقط مهزومين أمامه، لأن العالم أجمع قد حسم قراره وألقى بأوراقه على خيار التكنولوجيا واقتصاد المعرفة والتواصل، إذن فالهروب قرار خارج الحسابات، وخارج الخيارات.

إن الخوف من التقنية ككل خوف لا يمنع مخاطر التقنية ولا يهجنها، إنه يمنعنا من التمتع بفضائل هذه الثورة ومعرفة فوائدها الجمة، أما مخاطرها فإن أحداً لا يمكنه إنكارها، إنها حقيقة، وإنها أكبر من قدرة عقولنا على استيعابها، لكن وجود الفن والأدب والسينما يفتح أعيننا في مواجهة تلك المخاطر بوعي وعمق كبيرين، إن أول خطوات الانتصار هو معرفة من نواجه، وهذا ما تحاول الأعمال الفنية ذات المضامين الإنسانية أن تقدمه لنا لنعرف من وكيف ولماذا نحارب ونخاف؟!.

الأكثر مشاركة