الرائحة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحيط بنا الرائحة من جميع الجهات، وفي كل الأمكنة، علاقة الإنسان مع الرائحة تبدأ منذ ولادته، وتتشكل بتعرّفه على رائحة أمه، لذلك فمن النادر جداً أن نفتقد الرائحة حيثما تواجدنا، حتى المدن الآن صار لها رائحة معينة، أما الذين يفقدون حاسة الشم لسبب مرضي معين فإنهم يعانون من شعور هائل بالحرمان من التمتع بجانب عظيم من متع الحياة: التمتع برائحة الأطعمة، المخبوزات، العطور، الأطفال.

نحن في النهاية بشر نتنفس ونأكل ونشرب، ونتحرك بأسمائنا وهوياتنا وروائحنا، فلا يوجد إنسان بلا رائحة، الإنسان الوحيد الذي خلا من هذه الصفة البشرية (الرائحة) حسب ما أتذكر هو بطل رواية العطر (جان باتيست غرونوي)، الذي ولد وسط فضلات الأسماك، وتسبب افتقاده للرائحة في مأزقه الوجودي.

للنساء علاقة بالغة الحساسية والإفراط مع الرائحة، وتاريخ مواز مع العطر، وكأنهن خلقن من عمق الرائحة، لذلك تشتري النساء العطور بشكل جنوني، ويعتبرنها هديتهن المفضلة، أما جميعنا فلنا مع الروائح قصص وحكايات، ليست كلها دافئة كالعطر، أو حميمة كالذكريات، لكن لا يخلو الأمر من حكايات مثيرة للتندر والضحك، وفتشوا في ذاكرتكم ستجدون الكثير منها تملأ ذكريات فضاءات العمل والدراسة!

وللرائحة مكانة كبيرة في الأدب، وفي السرد الروائي تحديداً، وقد كتبت عشرات الروايات حولها، متخذة من رائحة الأمكنة، والحبيب، والسجن، والأصدقاء، والنساء الفاتنات، صباحات الصيف والبحر، وليالي الشتاء والبرد وجمر المواقد، والأطفال الرضع، والبساتين، والمنازل والمطاعم والمقاهي والأطعمة.. مواضيع وثيمات رئيسية للعمل.

رواية العطر واحدة من أشهر هذه الأعمال، وهناك رواية «روائح المدينة» للتونسي د.حسين الواد، ورواية صنع الله إبراهيم «تلك الرائحة»، و«روائح ماري كلير» لحبيب السالمي، و«رائحة الأنثى» لأمين الزاوي، و«رائحة الصابون» لإلياس خوري، و«رائحة الكافور» لميسلون فاخر، و«رائحة القرفة» لسمر يزبك، و«فخاخ الرائحة» ليوسف المحيميد، و«رائحة الجنة» لشعيب لحليفي، و«زرايب العبيد» لنجوى بن شتوان.. وكثير غيرها، كل رواية من هذه الروايات تناولت الرائحة بطريقتها.

 

Email