في مديح اللغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدور خلال نهارك، وتوالي أيامك، في طاحونة كلام لا يتوقف، نحن كبشر كائنات ناطقة لا تتوقف عن الحديث والثرثرة بمجرد أن نعرف الطريق إلى الكلام وتركيب الجمل والعبارات، يحدث ذلك ونحن نخطو نحو العام الثاني في رحلة الحياة، فمنذ تلك الأيام البعيدة ونحن نتكلم، نتحدث، نحكي، نعبر عن أنفسنا وطريقة وعينا بما يحيط بنا وعلاقتنا بكل ما حولنا، وفي سبيل ذلك نستكشف اللغة، ونعالجها، ثم نعالج أنفسنا بها، وخلال ذلك كله نطحن الوقت والأيام بمزيد من الكلام، نحن نتحدث كما نتنفس، وكما نأكل ونشرب، لا يردعنا سوى النوم فقط، ومع ذلك فهناك من يتحدثون نياماً!.

تخيلوا أن يُخلق البشر دون وجود لغة يتحدثون بها؟، أي أنهم لا يملكون القدرة على الكلام وتبادل الأحاديث فيما بينهم؟، فلو أننا خلقنا لا نتكلم! ما الذي يمكن أن يحدث؟، عن نفسي أجزم بأن اللغة سبقت خلق الإنسان، فاللغة أقدم من صاحبها، لذلك نستنتج أن الإنسان عندما خُلق، كانت المفردات جاهزة بانتظاره.

وبحسب النص الديني، فإن الله قد خلق آدم أولاً، وجعله في الجنة يتمتع بخيراتها، وحين التهمت الوحدة روحه وسكنه الأسى، خلق الله حواء لتؤنس وحدته، وتبدد آلام روحه. فهل نتصور أنساً ومؤانسة وتقارباً وتفاهماً بين أي كائنين دون لغة ومفردات؟، وهنا فإن اللغة إذاً سابقة في وجودها للبشر، وقد وجدت للتعبير عن الذات في علاقتها بكل من وما هو خارجها!.

إن انعدام الكلام يعني بطبيعة الحال انعدام اللغة، وانعدام اللغة يعني انتفاء القراءة والكتابة، وهذا معناه انعدام القدرة على البناء والتطوير، إن الضرورة هي ما حتم وجود البشر، لعمارة الأرض وبنائها وعمارتها بالتدافع والصراع والحروب والسلام، من هنا بدأ التاريخ، باللغة كتب الإنسان تاريخه وإنجازاته وتطوره، وسعى لمزيد من العمل والبناء واكتشاف المزيد من اللغات والثقافات والمعارف، ذلك أن معرفة لغة تعني اتساع الرؤية والانفتاح على الآخرين!.

 

Email