الغيرة المخيفة!

تقول صديقتي «بعد الظلم، لو كان لي أن أتمنى زوال شيء آخر من هذا العالم لقلت الغيرة!».

لماذا الغيرة تحديداً؟، وهل جميعنا إذا ما سئلنا عما نتمنى زواله من الأفكار والمشاعر التي نعتبرها مدمرة أو مؤذية سنختار الغيرة أم أن هناك ما هو أكثر تدميراً وألماً وأذى من ذلك؟. إن مجموعة المشاعر والأفكار والأحاسيس التي تعتمل في نفس الإنسان، والتي تشكل حياته وعلاقاته ومسار عمله وصداقاته، ومقدار ما يصيب وينجح فيها ومقدار ما يخفق ويهيئ أمله فيها، كثيرة ومختلطة ومتداخلة، وفي أحيان كثيرة تبدو له غير مفهومة، ويصعب عليه تفسيرها بالرغم من أنه يندفع معها ويتركها تتحكم فيه وقد تدمره، لذلك جاء الطب النفسي وتحديداً علم النفس السلوكي ليقدم للإنسان هذه الخدمة: محاولة فهم الغامض واللامفهوم في سلوكياته ومشاعره المؤذية تجاه الآخرين وتجاه نفسه، وبطبيعة الحال فهناك من يسعى للعلاج والخلاص وهناك من ينكر مرضه ويرفض أي شكل للعلاج حتى يصل لتلك المنطقة العمياء أو طريق اللاخلاص للأسف الشديد!.

إن العلة في الغيرة، كما العلة في الحسد، والحقد، والأنانية، والسلوك العدواني تجاه النفس والآخر كالقتل، والسادية وتعذيب النفس، والعنف، والكذب والسرقة وغيرها مما يظهر كسلوكيات أو أخلاق وقيم وقناعات، يمكن أن تصيب الجميع بحسب نوع الحياة التي عاشوها، والتربية التي تلقوها، والبيئة التي نشأوا فيها، والأشخاص الذين أثروا فيهم وتسببوا بقصد أو بدون قصد في تدمير نفسياتهم وشخصياتهم وانكسار ذواتهم!.

أما الغيرة فإن خطورتها أنها قد تصيب الطيبين الذين لا يتوقع منهم ذلك، فتسحبهم إلى مناطق مظلمة، والخطورة هنا في استجابتهم لها ولجوئهم لتبريرها، إن هذه الغيرة وإن كانت مؤلمة وشديدة الوطأة على نفس صاحبها، إلا أنها قاسية ومدمرة على أكثر من مستوى وتحديداً إذا ما كانت بين الأخوة والأصحاب والأصدقاء، أو بين الأم وابنتها أو العكس، إننا هنا أمام انحراف متطرف على انحراف غير مبرر وهذا ما يجعلها مخيفة جداً!.