النسيان

منذ سنوات بعيدة ربما قبل عشرين عاماً عندما تعرفت على أدب الكاتب التشيكي ميلان كونديرا، كان أول ما قرأته له روايته ذائعة الصيت (كائن لا تحتمل خفته)، وبعدها قرأت له في المعاني والأفكار الإنسانية الكبرى: الضحك والنسيان، البطء، الجهل، الخلود،.... إلخ.

ميلان كونديرا كاتب وفيلسوف بطريقته، وهو متفرد في عالمه فعلاً، غالباً ما يلجأ إلى تمرير أفكاره عبر السخرية والفكاهة، كما في روايته حفلة التفاهة مثلاً، لقد تدرب على ذلك منذ كان انتقاد السلطة والحاكم في الأنظمة الشمولية فعلاً يقود للهلاك مباشرة!.

في كتابه الضحك والنسيان، حديث عن الضحك وعن النسيان وعن مدينة براغ، وعن مطالبتك بالنسيان والمضي قدماً للأمام رغم الجروح والندبات والقسوة، لكن هل يمكن للإنسان أن يمضي للأمام خفيفاً كأن شيئاً لم يحدث له؟، وإذا كان لابد من النسيان فهل هذا يعني أنه لن يتجاوز حالته طالما لم ينس؟، والسؤال الأهم من بين كل الأسئلة هل النسيان أمر سهل وفي متناول الذاكرة؟.

إن النسيان كما يعرف اصطلاحاً هو الدخول في حالة من الفقدان الظاهري أو تحوير للمعلومات المخزنة في الذاكرة المديدة للإنسان، وبالتالي فإن أي محاولة لاسترجاع الذكريات تصبح صعبة جداً. وهذا يحدث إما فجأة بسبب حادث أو تدخل معين، أو بسبب التقدم في العمر والإصابة بالخرف أو الزهايمر، وهذا إما أنه وراثي أو يحدث هكذا دون مقدمات، إن أكثر من صدمني إصابته بفقدان الذاكرة هو جدتي التي فقدت ذاكرتها بين يوم وليلة عندما توفي ابنها (خالي)، والكاتب الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز!.

هل يمكن للإنسان أن ينسى بإرادته دون مرض أو تدخل خارجي أو شيخوخة؟، بعض العلماء يؤكدون استحالة النسيان، لكن يقولون إن الإنسان قد يدرب نفسه على التغافل والتناسي وعدم الضغط على دماغه كي يحتفظ بكل صغيرة وكبيرة، فهناك ما لا يستحق الاحتفاظ به، وهناك ما يكون الاحتفاظ به ضاراً بل ومدمراً للإنسان، وعليه فلابد من التخفيف من أحمال الذاكرة.

لماذا قرن كونديرا النسيان بالضحك؟، وجدت الأمر يستدعي التوقف كما يستدعي التفكير!!.

 

الأكثر مشاركة