التقنية التي رفعت أسهم الصفعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول الله في قرآنه الكريم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا..) والحكم يمكن تطبيقه قياساً على الكثير من المستجدات التي اختلطت فيها الفوائد بالأضرار حتى ما عاد الإنسان قادراً على أن يجتنبها أم يستخدمها فيما ينفعه ويجتنب منها ما يؤذيه، كمواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي والمدونات والإنترنت... إلخ، ففيها الكثير من المعرفة والثقافة وحرية النقاشات وسرعة الوصول إلى أكثر المعلومات أهمية وسرية أحياناً.

لمواقع التواصل الاجتماعي إمكانيات اتصالية هائلة، قادرة على حشد الناس حول موضوع معين وجعله بؤرة اهتمامهم لأيام، وربما لعدة أشهر، بحسب ما يحققه ذلك من مكاسب ومنافع حتى وإن وجد فيه أصحاب نظرية (نظام التفاهة) الكثير من الآثام والمخاطر الأخلاقية والقيمية، إلا أن تلك الميزة التي لم يكن عالمنا العربي تحديداً يتوقعها ربما تمحو جميع السيئات، وأقصد هنا المساحة الهائلة للنقاشات الممتدة وإبداء الرأي بحرية بين أشخاص لا يربط بينهم سوى هذا الإصرار والاهتمام بتوسيع نطاقات حرية التعبير في جهات العالم الأربع وبنفس المقدار.

المهم في خبر قيام عمرو دياب بصفع المعجب الذي أراد التقاط صورة معه، ليس في محدودية الحدث، ولكن في عاصفة الآراء التي تعددت وتشعبت وتعدت مسألة لاأخلاقية تصرف المطرب والمعجب معاً، إلى ما هو أكثر، صارت الصفعة بحد ذاتها فضاء سباق كبير يدلي فيه الجميع برأيه، بحرية تامة، وهذا من أكثر الممارسات التي يفتقدها الإنسان اليوم، أن يقول رأيه ويمضي دون خوف أو مطاردة أو مساءلة!

الجانب الخفي أو الوجه الشرير للتكنولوجيا موجود كما في أي سلوك له وجهان، فالتكنولوجيا التي أباحت الفضاء للإنسانية كلها للتعبير وللتغيير، وأغرت العالم بالاحتشاد في جمهوريات التواصل الضخمة، وجعلتهم ينشدون أغنية جماعية باسم الحرية، قد زادت من قيود الرقابة عليهم والمساءلة والتفتيش في النوايا كما في الكلمات، فطوقت حرية الرأي بقوانين تجعل من حق أي شخص أن يقمعك باسم القانون لمجرد أنك أبديت رأياً لم يعجبه في تصرفات لم تعجبك!

Email