خطورة الثقافة والفن

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين سئلت الممثلة الإيرانية، غولشفتي فراهاني، بطلة فيلم «حجر الصبر»: لماذا يترابط الفن والثقافة من وجهة نظرك؟

أجابت: أعتقد لأن الفن والثقافة هما العمود الفقري أو الروح الحقيقية لأي مجتمع، وهما كذلك الجذور القوية التي تضمن بقاء أي مجتمع ثابتاً ومتماسكاً، إنهما أقوى من السياسة ومن أي سلطة، لهذا دائماً ما يستهدف الاستعمار والديكتاتوريات الثقافة والفن قبل أي شيء آخر، لأن الفن مرتبط بروح الجماهير كالثقافة تماماً، التي تمنح المجتمعات قوتها وهويتها واعتزازها.

على هذا الأساس كانت الدول والجيوش العسكرية التقليدية في الزمن الكولونيالي (الاستعماري) وبمجرد أن تحتل دولة من الدول تضع لغة الشعوب، التي تحتلها على رأس قائمة الاستهداف، فتعمل منذ البداية على إلغائها من مناهج التعليم، ثم يتمدد الأمر للتقاليد، أنماط الثياب، طرق الحياة، أشكال العمارة، الأطعمة.. حتى يعتاد الناس تدريجياً على التخلي عن ثقافتهم، شاعرين بدونية تجاهها مفضلين لغة وثقافة المستعمر أمام ثقافة الآخر/ المحتل، وبالتالي يصبح إطالة أمد السيطرة عليهم أمراً غير مكلف وغير مقلق تماماً.

لقد احتلت بريطانيا الهند احتلالاً عسكرياً مباشراً، لفترة تجاوزت القرن ونصف القرن، بدءاً بعام 1758 وحتى استقلال الهند عام 1947، فرضت خلالها سلطات الاحتلال كل أشكال السيطرة والقمع والتبعية المطلقة على الهند، نظراً لما كانت تتمتع به من خيرات وثروات، كانت خلالها اللغة الإنجليزية هي لغة التعليم والإدارة، إلا أن الهنود لم يفقدوا شيئاً من هويتهم وثقافتهم، وها هو الفن والسينما الهندية يمثلان رافعة ضخمة لثقافة المجتمع وأحلام البسطاء ومشاكلهم.

إن الالتزام بثقافة المجتمع، والتمسك بها ليس ترفاً، إنما هو الخيار الوحيد، الذي يضمن بقاء الشعوب صامدة ومتماسكة أمام المد الهائل من الثقافات التخريبية، التي تجتاح العالم من أجل تحقيق فوضى عارمة في الأخلاق والتوجهات والقيم والهويات والانتماءات، وصحيح أن هذا الالتزام مكلف جداً، إلا أنه لا خيار آخر أمام الشعوب، وربما يمثل الفن والثقافة والمثقفون رأس الحربة في هذا الصراع، صراع الوجود والبقاء.

Email