السينما التي تستحق المتابعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأخذنا كل شيء إلى السينما، إلى المتعة الحقيقية والحرية الممتعة المتاحة للإنسان بكامل عناصرها دون حدود أو تدخل، تلك السينما التي تتضافر عناصرها بقوة وجمال لتحيك لنا تحفاً سينمائية تنقل لنا الواقع مضافاً إليه ما يفتقده ذلك الواقع، بمعالجات وزاوية رؤية لم نفكر فيها يوماً. وهنا فإننا نتحدث عن السينما الجديدة الجادة، سينما الفكرة التي تعبر عما يحدث للإنسان من تحولات وتحديات ومخاوف على جميع المستويات، وهي تختلف 180 درجة عن سينما البوب كورن أو سينما الترفيه والتسلية!

أنا أحب السينما التي تحفر بتحدٍّ وإصرار في واقع الإنسان المعاصر، السينما التي تسلط كشافات ضوء بقوة عالية جداً على داخل الإنسان بحثاً عما لا يجرؤ على الإفصاح عنه، عن وحوشه التي اندست في داخله منذ الصغر وكبرت وأصبحت تتربص به ليل نهار وهو غير قادر على فعل شيء: لا تجاهل الوحش ولا قتله! أظن أن من يفهم حقيقة الدور الخطير للسينما الحديثة يعرف أن هذه مهمتها: استدراج الوحش للخارج ومن ثم التصرف معه: إما قتله أو إفقاده قوته التي اكتسبها لطول اختفائه في دواخلنا.

لم تستطع السينما العربية أن تقتحم عرين هذه الوحوش، فظلت بدلاً من ذلك تلقي بمعظم أوراقها في سلة السياسة، أما السينما الجديدة في إيطاليا وإيران وبولندا وفرنسا ورومانيا وتركيا... فقد تصدت لذلك بشكل فائق القوة والجمال، وإن متابعة متأنية لبعض أفلام مخرجي السينما الجديدة كفيلة بأن تضع أمامنا قائمة مذهلة للقضايا الإنسانية التي تصدت لها برؤى وقدرات فائقة في التمثيل والحوارات والموسيقى والتصوير.

اغتراب الإنسان عن ذاته وعمن حوله، وبحثه عن حريته ومحاولته إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مواجهة الاستغلال والإقصاء والنبذ والتجاهل، وتلك الصراعات العبثية التي تحكم التنافس في مدن الحداثة التي تنمو بشراسة في مشاريع الصناعة والاستهلاك والتغيير الذي لا يتوقف وثقافة الاستهلاك وما تفرزه من أنماط ذوق متردية، وعلاقات مبتورة قائمة على المصلحة مع تنامي معدلات الجريمة والخوف وعدم الشعور بالأمان و... كل ذلك مما تتصدى له موجة السينما الجديدة التي نحتاج بقوة أن نعود إليها كضرورة لا كترفيه وتسلية!

Email