«عمر الغريب»!

أول الأسئلة التي ألحت علي وأنا أسبر غور هذه الرواية التي تذكر بأفلام الإثارة النفسية، يخص الأثر والتأثير، فمن يأتي قبل الآخر: هل يتصرف الشخص بوحشية وسادية لأنه ولد مجرماً في أصله؟ أم أن الظروف القاهرة والتعديات التي يتعرض لها هي ما تخلق منه وحشاً في نهاية المطاف؟ هل نأتي للدنيا محملين بالأخطاء والخطايا مخبوءة في حاوياتنا الجينية؟ أم أن الدنيا تتلقانا أنقياء أبرياء وهي من تصوغنا كما تشاء؟ أم أن إرادتنا من تتكفل بمصائرنا؟

هذه أسئلة كبيرة وقديمة جداً طرحها الفلاسفة والحكماء ورجال الدين وأطباء ومنظرو علم النفس ولا يزالون، وهي ما تدور حولها رواية «عمر الغريب» للروائية المغربية سلمى مختار أمانة الله، الصادرة عام 2022، والتي تصدت فيها وبذكاء لرسم شخصية البطل بلغة شاعرية مثيرة للإعجاب (أفرطت فيها أحياناً) دون أن تتورط مباشرة في عملية التفكيك أو التبرير، تاركة لقارئها حرية أن يطرح أسئلته ويرى الحكاية بمنظور فكره وتوجهاته!

لم تلجأ سلمى (كروائية) لتقنية الراوي العليم الذي يعرف كل شيء ليحكي لنا مسيرة عمر مذ كان طفلاً جاء الحياة نتيجة غلطة، فألقته أمه على باب أحد المساجد متخلصة من ذنبه لتضعه بين يدي رجل فقيه سيضع ابنها على طريق الله القويم فينقذه (أو تنقذه هي كما ظنت) من مآلات كارثية لو بقي عندها، فخيب آمالها ودمر حياة عمر، بل تركت لعمر نفسه أن يسرد تاريخه وهو يرى نفسه سابحاً في بركة دمائه!

لقد دلت تقنية السرد المتبعة، وتطور شخصية البطل في العمل، على تمكن الكاتبة من أدواتها، كما أكدت على مقولة أن هناك منزعاً فطرياً للانحراف لدى البعض، وفق نظرية السلوك الإجرامي عند «لومبروزو» أحد أساتذة علم الإجرام الذي افترض نظرية (المجرم ولد ليكون مجرماً) وصحيح أن «عمر الغريب» لم يرتكب جريمة مباشرة، بل إنه هو من انتهى مقتولاً بطلقة بندقية في منزله فرحل كما جاء وحيداً وغريباً، إلا أنه مع ذلك أظهر قدراً هائلاً من وضاعة السلوك والسادية، جعلت القارئ في النهاية يتساءل: هل استحق عمر الغريب نهايته المأساوية؟