الصدف الغريبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن لا نظهر في حياة أحدهم عبثاً، ولا بشكل مفاجئ، ولا نظهر من المجهول، نحن لا نظهر من الأساس، نحن نكون موجودين دائماً في داخلهم، قريبين منهم، أو نتقاطع معهم باستمرار، كما يلتقي شخصان كل يوم عند إشارة المرور نفسها دونما ترتيب مسبق، لكنهما لا يتبادلان كلمة واحدة، بل ربما أشاحا بوجهيهما بعيداً استنكاراً لهذه المصادفة المتكررة أو عدم اهتمام ولا مبالاة غير مقصودة.

إن سبباً تافهاً أحياناً، وأسباباً مقدرة في معظم الأحيان، هي ما تعوق التقاءنا ببعض من سيكونون لاحقاً أشخاصاً محوريين في حياتنا، وسنكون نحن كذلك بالنسبة لهم. إن ما منعنا من التلاقي لزمن طويل جداً هو نفسه ما سيجعلنا نلتقي، وتلك واحدة من غرائب ما يحصل في حياتنا، سنعرف ذلك حينما نجلس بهدوء بعد اللقاء والتعارف، واستعادة المواقف الكثيرة التي مررنا بها دون أن نلتقي، سنجلس ونعاتب الأيام أو نعاتب بعضنا على سبب تأخر هذا التعارف، ألم يحدث ذلك لكثيرين منا: الأصدقاء والعشاق، ومن سيصبحون شركاء الحياة؟

الأسباب التي لا يفكر فيها أحد، أو التي لا يلقي لها أحد بالاً، وأحياناً تكون التفاهة سبباً يحجب حدوث الكثير من الأمور، نعم التفاهة التي تجعل البعض يختلق أسباباً مضحكة للاعتراض على أشخاص بعينهم يثيرون اهتمامه، لكنه يعطي نفسه أسباباً غريبة للتراجع عن أية مبادرة تجاههم!

أليس غريباً ألا تحاول التعرف على شخص يثير إعجابك، لأنك لا تريد أن تعطيه انطباعاً بأنه مثير للإعجاب؟! بالرغم من أنك تلتقي به بشكل متكرر، لكنك لم تحاول يوماً حتى مجرد إلقاء التحية عليه!

يحدث ذلك لأشخاص يجلسون معاً في المقهى نفسه وبشكل شبه يومي! دون أي تواصل ظاهري من أي نوع، وكأنهما يعيشان في عالمين متوازيين، وحين تلتقي العوالم أو يخرجان منها، يظهران لبعضهما وكأن حجاباً وهمياً كان يعزلهما عن بعضهما البعض! أهي غرابة الظواهر أم التفاهة التي تتحكم في تسيير الكثير من الأحداث حولنا؟

Email