رواية الحرب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنسج الروائية السورية مها حسن أحداث روايتها «عمت صباحاً أيتها الحرب» مستهدية بمصباحين: الأول هو الأمل بنهاية الحروب، الأمل بنافذة يمكن أن تكسر جدار العتمة في الواقع السوري، أما المصباح الثاني فهو تجربة الكاتبة الأوكرانية سفيتلانا أليكسييفيتش، صاحبة «فتيان الزنك» و«صلاة تشرنوبل» وغيرهما، تلك الروايات التوثيقية، التي شكلت إدانة دامغة للحرب الروسية- الأفغانية.

لقد كتبت أليكسييفيتش الكثير من الروايات، التي خاضت لأجل إتمامها تجربة نفسية قاسية عبر مقابلات مع أمهات الضحايا، والجنود الروس العائدين من الحرب، أو أصدقائهم الذين رافقوهم خلالها، لكنهم عادوا بدونهم. إنها الحرب البشعة التي احتدمت بين الاتحاد السوفييتي وأفغانستان خلال السنوات الممتدة من 1979 وحتى 1985، والتي وثقتها أليكسييفيتش، عبر كتب ركزت على معاناة الناس والجنود وأهالي الضحايا.

لم تكتب مها حسن أحداث الحرب وبشاعات المتحاربين، لأنها تعلم أن الناس قد اكتفوا بما شاهدوا وعاشوا وعانوا، لذلك فإنها استدعت الحرب وأثرها الذي لن يمحى أبداً من ذاكرة وتاريخ المدينة والناس: معاناتهم، أحزانهم، وتلك الدموع التي ذرفت على الذين رحلوا، هذا التوثيق الذي لا يكتبه التاريخ الرسمي أبداً، ولم يكتبه ذات يوم، ذلك أن الحروب لم تكن يوماً مشروع الناس ولا هدفهم، كانت على الدوام مشروع الملوك والحكام والممالك والدول، لذلك يتم توثيق انتصارات هؤلاء وإنجازاتهم، أما الجنود وأمهاتهم وإخوتهم وزوجاتهم فلا يلتفت إليهم أحد!

فإذا كان لا يزال هناك من يسأل: لماذا تُكتب الرواية ولماذا تُقرأ؟ فإن مها حسن في روايتها هذه تبدو كشخص مستعد أن يذهب حتى آخر الشوط، إذا كان ذلك سيقتلع أنياب الوحش ومخالبه، لذلك تتخيل أنها تفتح عينيها صباحاً لتلقي التحية على الحرب في محاولة لأنسنتها، لتجالسها كجارة سيئة تحدثها عما فعلته، ولتقدم لها كشف حساب بالخسارات الهائلة، التي دفعتها أسرتها وعائلتها ووطنها والعالم كله!

تكمن عظمة وأهمية الرواية في قدرتها على إعادة إنتاج ذلك الشعور القاسي بزمن الحرب بكل لحظاتها المظلمة، ورائحة جلدها، الذي يتصبب رصاصاً وخوفاً، لعلها تقدم الوحش في صورته الحقيقية.

Email