قوة الكلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل معلومة أو فكرة تريد مشاركتها مع الآخرين تعتمد على طريقتك في صياغتها وتوصيلها لهم، ففي النهاية تكمن قوة الكلمات في أنها ليست مجرد وسيلة للتواصل والتفاهم بين البشر، ولكنها نظام سلوك وتفكير يدلل على ما نتمتع به من ذكاء عاطفي واجتماعي، ومرونة في الوصول لأكبر عدد من الناس، والمقدرة على اختراقهم.

«المقبرة» فيلم تركي يستحق المشاهدة، فهو يعالج تأثير القيم والعادات الاجتماعية المتوارثة على الأجيال الجديدة في المدن المحافظة، والتي تعيش ازدواجية المعايير بين قيم الحداثة وضغوطات القيم المتوارثة، وفي ظني أن كثيرين يمثلون نسخاً واقعية للفتاة، التي عثر عليها مقتولة في بداية الفيلم، والتي كانت مفتاحه وموضوعه وحبكته.

إن «نفيسة» الفتاة المتحدرة من عائلة مسلمة متزمتة يعدها والدها لتتخرج داعية إسلامية من كلية العلوم الدينية، هي نفسها «نفس» التي تخلع الحجاب بمجرد مغادرتها منزل والديها، وابتعادها عن دائرة الحي الذي تقطنه، هي نفسها الفتاة التي تتحرر من سلطة الرقابة الأبوية تماماً، وتلج بوابة المبنى الحديث ذي المدخل الرخامي الصقيل لتجلس في غرفة التدريب على العزف، لأنها تدرس الموسيقى وليس العلوم الدينية، وهذا ما تأكد للمحققة عندما كانت تنصت جيداً للحقيقة التي يخبئها الأب من خلال ما كان ظاهراً من قلق وتوتر على الأم!

نفيسة أو «نفس» تدفع حياتها ثمناً لأسباب متداخلة، لكن الذي لفتني في أول مشاهد الفيلم ذلك الضابط الذي يتحدث عن نفسه كشاب متحضر لا يتفق مع هذه المحافظة المتزمتة، حين يسأله مساعدوه ماذا يتوجب عليهم فعله، يأمرهم بإبعاد الجميع وتحديداً النساء من مكان الحادث، ثم يتوجه بالسؤال لمساعده؛ هل تعرف لماذا يبدأون بإنزال النساء والأطفال في زوارق الإنقاذ في حالة غرق السفينة؟ فيرد المساعد لأنهم الأهم! فينظر إليه قائلاً: حتى يترك الرجال وحدهم يفكرون بهدوء للعثور على مخرج للكارثة!

إن الكلمات ليست مجرد جمل نطلقها ببراعة لندلل على ثقافتنا، إنها منظومة تفكير خطيرة تربط كل أمر ندور في فلكه في كل مجال نتحرك فيه، وعلينا أن ننتبه جيداً لما نقول ولما نسمع!

Email