المقاومة.. بالفن

لقد اقترن التسلط وتكميم الأفواه بالأنظمة السياسية الفاشية، وتلك التي أفرزتها أيديولوجيات فكرية معروفة، قادت إلى سيادة دول ورموز أوصلت العالم إلى حافة انهيارات وحروب كونية، كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكما لا نزال نعيش حتى اليوم صراعات وحشية بسبب هذه الدكتاتوريات المتسلحة بالقوة والأيديولوجيا على حساب كرامة الإنسان، وحقوقه، وأمانه، ومستقبله.

لقد قادت تلك الأنظمة شعوبها إلى الصمت والإذعان خوفاً من البطش، لكن ذلك لم يمنع أفراداً امتلكوا شجاعة المبادرة من تمزيق الصمت، وإحداث خدش في وجه النظام الفاشي، تماماً مثلما حدث في ديسمبر 1948 عندما جلس الرسام البولندي «ڤلادسلاڤ سيمنتزسكي» في صالة شقته، وبدأ بالرسم على القماشة البيضاء، التي سرعان ما تحولت إلى اللون الأحمر، بسبب لوحة حمراء ضخمة رفعها الحزب الشيوعي البولندي، تحمل صورة الرئيس السوفييتي ستالين!

دون تردد نهض الفنان غاضباً، وقام بتمزيق القماشة بعكازه، محدثاً شقاً كبيراً في صورة ستالين، ليتم على أثر ذلك اعتقاله واستجوابه، ومن ثم محاولة استدراجه إلى الإيمان بطروحات الحزب بخصوص النظرة الاشتراكية إلى الفن، ولكن الفنان أصر على موقفه المعارض، لتبدأ مرحلة إرهابه ومحاصرته وتجويعه!

في الفيلم البولندي «بعد الصورة» تقدم لنا السينما «البولندية» صورة أخرى لمعنى التزام السينما بمبادئ وقيم الحق وفلسفة الجمال والمبادئ الإنسانية، إن هذا الفيلم يمثل إيمان المخرج «أندريه ڤايده» نفسه المعارض لما عرف بالواقعية الاشتراكية تجاه الفن والثقافة والأدب، وقد وجد إيمانه متجسداً في إيمان الفنان البولندي المعروف «ڤلادسلاڤ سيمنتزسكي»، فقام بتقديم هذا الفيلم الذي يعد واحداً من تحف السينما البولندية، وتجسيداً لمبادئها وفلسفتها الأخلاقية!

لقد فقد الرسام ذراعه وقدمه في الحرب، إلا أنه بقي على صلابته وظل يرسم ويدرس، لكن نظام ستالين حاصره وضيق عليه، ومنعه حتى من بطاقة الحصول على الطعام، ومزق لوحاته وحرمه من حق العمل، حتى توفي في العام 1952، يمثل الفيلم موقف وفاء لهذا الرسام، وشكلاً من أشكال المقاومة بالفن والسينما!

الأكثر مشاركة